في كتابه «من يحكم العالم ؟» الذي استعرضنا الجزء الاول منه الاسبوع الماضي انتقد نعوم شومنسكي بقلم لاذع الدول الغربية وبلاده الولاياتالمتحدةالامريكية بصفة خاصة وحملها مجتمعة مسؤولية الازمات التي يعانيها عالمنا المعاصر. كتاب نعوم شومنسكي استاذ الفلسفة واللغويات بجامعة مساشوتز يأتي ضمن سلسلة من المقالات والكتب اصدرها عدد من المفكرين الامريكيين مع مطلع الالفية الثالثة يلقون من خلالها نظرة فاحصة على ما سموه «قرن الهيمنة الامريكية» التي يقولون انها تشهد نهاياتها. كما قدموا مراجعات لسياسة الولاياتالمتحدة بعد 11 سبتمبر ونظروا في مخاطر تغول القوة عندما تَفْجُر على الديمقراطية وحقوق الانسان. الكتاب صدر مطلع هذه الشهر وفيه يقدم المؤلف تحليلا ثرا للوضع العالمي الماثل اليوم وينبه بلاده الولاياتالمتحدة الى انها تخاطر من خلال سياساتها العسكرية واصرارها على ان تصبح امبراطورية تدير العالم بتكبيد العالم كوارث مدمرة. فهو يثبت بالادلة الملتقطة من الواقع المعاش ان «حديث امريكا المستمر عن الحرية وعن حقوق الانسان يتضارب مع افعالها على ارض الواقع». سلط شومنسكي الضوء على ثلاثة اقاليم هي الشرق الاوسط وجنوب شرق آسيا واوروبا ولفت النظر الى ان الدول الغربية هي التي انتجت ازمة اللاجئين منذ ان غزت جنوب شرق آسيا وافريقيا ثم الشرق الاوسط منذ اتفاقية سايكس بيكو وبعدها حروب امريكا وحلفائها ضد الارهاب. في هذا الجزء الثاني من استعراض الكتاب يحذر المؤلف الدول الغربية من ان القاعدة وتنظيم داعش يجرانهم الى مصيدة تستهدف تفكيك المجتمعات الغربية واستنزاف قدراتها. ويخلص الى ان المسار الحالي لمعالجة ازمة اللاجئين ومحاربة الارهاب لن يقضي على المشكلة وانما سيفاقمها اكثر. يتبنى شومنسكي اقتراحا بأن يعترف الغرب بتجاوزاته التاريخية والحالية في حق شعوب الشرق الاوسط ويعتذر لهم عما ارتكبه او تسبب فيه من عنف وعدوان متكرر كانت القاعدة وتنظيم داعش إحدى نتائجه. ويدعو للعودة الى صوت العقل من خلال الدبلوماسية والمفاوضات وتصميم برنامج اغاثة ورعاية صحية للاجئين واجراء تفاهمات توعوية مع اولئك الذين يلتحقون بالتنظيمات الارهابية عن جهل منهم تدفعهم اشواق تاريخية وتطلع للشهرة والنجومية ليست نابعة من فكر وقناعات دينية. يقول شومنسكي ان استراتيجية مطرقة الحرب العالمية ضد الارهاب كانت السبب وراء انتشار ارهاب الجهاديين من منطقة صغيرة محصورة في ركن من افغانستان لتعم مناطق واسعة في العالم. من افريقيا الى بلاد الشام ومن جنوب آسيا الى جنوب شرق آسيا وكانت المحرض والدافع وراء الهجمات الارهابية في اوروبا والولاياتالمتحدة. لقد كان لغزو العراق في رأي شومنسكي مساهمة اساسية في هذه العملية مثلما توقعت اجهزة المخابرات. وهو ينقل عن اورد بيتر بيرجين وباول كروكشانك المتخصصين في دراسة العمليات الارهابية احصائية عن ضحايا تلك الحرب جاء فيها ان (حرب العراق تسببت في زيادة المعدل السنوي في عمليات الجهاديين المدمرة الى سبعة اضعافها. وازداد عدد العمليات الارهابية لعدة مئات اضافية وأفقدت الآلاف من المدنيين ارواحهم. وحتى عندما يتم استثناء العمليات الارهابية في العراقوافغانستان فان الهجمات القاتلة في بقية انحاء العالم ازدادت باكثر من الثلث). ثم يستشهد بدراسة اجرتها مجموعة من منظمات حقوق الانسان الرئيسية وجمعية اطباء من اجل المسؤولية الاجتماعية الامريكية وجمعية الاطباء الكندية من اجل بقاء الحياة على الارض وجمعية الاطباء الالمانية العالمية لمنع حدوث حرب نووية هدفت الى (تقديم احصائية تكون واقعية بقدر المستطاع لعدد الجثث في مناطق الحرب الرئيسية الثلاث (افغانستانوالعراق وباكستان) خلال اثني عشر عاما من الحرب على الارهاب. وشمل ذلك مراجعة مكثفة لأهم الدراسات والبيانات التي نشرت عن عدد ضحايا الحرب في هذه الدول الى جانب معلومات اضافية عن العمليات العسكرية. وكانت تقديراتهم المتحفظة ان تلك الحروب قتلت حوالي 1.3 مليون شخص وخلفت وراءها ما لا يقل عن مليوني مصاب). وهو يستدل ايضا بالدراسات التي اجراها معهد السلام في اوسلو وافادت بأن ثلثي الصراعات القاتلة في تلك المناطق حدثت نتيجة صراعات داخلية فرض فيها اجانب من خارج المنطقة حلولهم عليها. وكشفت الدراسة ان 98% من الوفيات في تلك الحروب حدثت بعد تدخل الاجانب في صراعات داخلية بقواتهم العسكرية الضاربة. يلاحظ ان المؤلف اعتمد في كتابه على الدراسات والابحاث التي اجراها مختصون في شؤون الارهاب وتقصي عواقب تدخل الدول الغربية في شؤون الدول بغرض السيطرة وفرض سياساتها تحت غطاء محاربة الارهاب وحماية حقوق الانسان.. من ذلك ابحاث تيمو كيفيماكي المحلل السياسي التي تشير الى ان حروب الحماية التي تخوضها تحالفات الدول اصبحت المصدر الرئيس للعنف عبر العالم. فهي تسهم باكثر من 50% من قتلى تلك الصراعات مع ملاحظة انه في معظم هذه الحالات بما في ذلك الحالة السورية كانت هناك فرصة للتسوية من خلال العمل الدبلوماسي ولكن تم تجاهلها. وان ذلك كان متاحا ايضا في حالات اخرى مثيرة للرعب كالتي حدثت في منطقة البلقان في تسعينيات القرن الماضي وحصدت آلاف الارواح. وهي كذلك في حرب الخليج الاولى وبالطبع في حروب الهند الصينية افظع وابشع جريمة ارتكبت بعد الحرب العالمية الثانية. اما في حالة العراق فيعقب الكاتب بقوله ان (مجرد السؤال عن عدم البحث عن حل بديل لم تتم اثارته حتى اليوم). يرى شومنسكي ان النتائج العامة التي تترتب على المسارعة والاستعجال لاستخدام سياسة المطرقة ضد المجتمعات الضعيفة والهشة وما ينتج عنها لم تجد ما تستحقه من الاهتمام. وينصح بقراءة دراسة وليام بولك المتعمقة لعمليات التمرد في كتابه (سياسة العنف) بتمعن من قبل اولئك الذين يرغبون في فهم الصراعات الحادثة في عالمنا المعاصر. واكثر منهم بحاجة لقراءته واضعو الخطط الذين يزعمون انهم معنيون بتجنيب البشرية العواقب التي تتكبدها وينفون ان همهم الاول هو امتلاك القوة وفرض الهيمنة. لقد لفت بولك الانتباه الى ممارسة ظلت تتكرر المرة تلو الاخرى رغم رفضها واستهجانها ومقاومتها من المجتمعات المستهدفة عبر التاريخ. وهي سياسة غزو المجتمعات الاخرى ومحاولة اخضاعها بالقوة. فالغزاة بحكم الطبيعة غير مرغوب فيهم وترفضهم الشعوب فتتمرد عليهم ولا تطيعهم. يبدأ ذلك العصيان في مجموعات صغيرة ثم يجد استجابة واسعة مما يزيد المقاومة والمعارضة والدعم للانتفاضة ضد الغزاة. وفي هذا السياق تتصاعد وتتسع دائرة العنف الى ان يُرد الغزاة على اعقابهم او يحققون اهدافهم بارتكاب اعمال عنف تكاد تتسبب في ابادة جماعية. أوباما مبتكر حملات الإبادة الحديثة يصف شومنسكي سياسة الاغتيالات التي ينفذها الرئيس اوباما بواسطة الطائرات بدون طيار بانها تشكل احدث ابتكار في عمليات الابادة الجماعية. ويقول ان اغلب الآراء مجمعة على ان الاغتيالات التي تنفذها الطائرات الامريكية لمجرد الاشتباه تستدعي وتشجع على ارتكاب العمليات الارهابية اكثر مما تقتل اولئك المتهمين بأنهم قد يفكرون في ايذائنا في يوم من الايام. ويعتبر ما تفعله ادارة الرئيس اوباما مشاركة مؤسفة في جرائم الاغتيالات ومن محام دستوري في الذكرى الثمانمائة للماجنا كارتا الذي وضع القواعد التي يقوم عليها مبدأ افتراض البراءة وحسن النية. ويشكل مرتكزات القانون المتحضر (الماجنا كارتا أو الميثاق الأعظم كما يطلق عليه وثيقة إنجليزية لضبط العلاقة بين الحاكم والمحكومين صدرت عام 1215م. وتم تعديلها اكثر من مرة وتعتبر اعظم ميثاق للحريات ومبادئ القانون الذي يحكم المجتمعات المتمدنة.. المترجم). السمة الثانية لهذه التدخلات التي يحرص المؤلف على تسميتها بالعدائية ذلك الاعتقاد الخاطئ في رأيه بأن (حالة التمرد او الثورة يمكن القضاء عليها بتصفية قادتها). ويقول ان التجارب اثبتت انه عندما يتم القضاء على القيادات يحل محل زعيم التمرد او قائد الثورة الذي جرى تبخيسه وشتمه زعيم آخر شاب اشد تأثيرا واكثر اصرارا وعزيمة وقسوة على مقارعة مستهدفي حركته. واورد عددا من الامثلة استشهد بها بولك وما استعرضه المؤرخ العسكري اندرو كوبيرن عن الانعكاسات السالبة للحملات الامريكية المتواصلة منذ وقت بعيد للقضاء على زعماء عصابات المخدرات والارهاب. وقد توصل الى نفس النتيجة وليس هناك ما يدل على توقف هذه المطاردات مستقبلا ولا انحسار ما يترتب عليها من ردود فعل. ويؤكد شومنسكي انه ليس هناك شك في ان الاستراتيجيين الامريكيين يبحثون حاليا في انجع السبل لقتل (من يسمى) خليفة الدولة الاسلامية ابوبكر البغدادي الذي يعتبر منافسا قويا لايمن الظواهري زعيم القاعدة. وان النتيجة المتوقعة لهذا الهدف اذا تحقق تنبأ بها بروس هوفان الاستاذ المشارك في مركز مكافحة الارهاب في الاكاديمية العسكرية الامريكية احد اشهر المختصين في شؤون الارهاب. فقد توقع هوفان ان (موت البغدادي سيفتح الطريق امام حدوث تقارب بين نظامي الدولة والقاعدة ينتج عنه قوة ارهابية ليس لها سابق من حيث الحجم والموارد والطموحات) . استشهد بولك بدراسة عن الحرب اجراها هنري جوميني تناول فيها هزيمة نابليون على ايدي رجال حرب العصابات الاسبان. وقد صارت الدراسة كتابا اكاديميا للدارسين على مدى عدة اجيال في اكاديمية ويست بوينت العسكرية. لاحظ جيميني في دراسته ان هكذا تدخلات من قبل القوى العظمى تؤدي دائما في الحروب الوطنية الى هزائم مماثلة للقوة الغازية بشكل دائم. فان لم يكن ذلك في بداية الحرب يتبلور مع استمرار النضال وبالديناميكيات التي وصفها بولك. استدراج الغرب لمستنقع الحرب الدراسات المتمعنة للقاعدة وتنظيم داعش في رأي شومنسكي اوضحت ان (الولاياتالمتحدة وحلفاءها منقادون تماما للوقوع في الفخ الذي نصبوه لهم. ذلك ان هدف التنظيمين استدراج الغرب الى المصيدة ليتورط عميقا وبأقصى ما يمكن في مستنقع الحرب. واقتياد الولاياتالمتحدة بشكل مستمر اليه لاضعافها واضعاف الغرب في سلسلة من المغامرات تستزفه في ما وراء البحار). وهكذا ستدمر الولاياتالمتحدة والغرب من خلال هذا الاستدراج مجتمعاتهم ويستنزفون مواردهم ويزيدون مستوى العنف ضد بلدانهم ثم ينطلق عقال الديناميكيات التي تحدث عنها بولك. اسكوت اتران احد الباحثين البارزين في شؤون الحركات الجهادية اورد احصائية عما تكلفته القاعدة لتنفيذ هجمات 11 سبتمبر بما بين 400000 إلى 500000 دولار بينما كلف رد الفعل العسكري والامني الولاياتالمتحدة وحلفاءها عشرة ملايين اضعاف ذلك الرقم. وبحساب الربح والخسارة ان عملية 11 سبتمبر العدوانية كانت في رأيه ناجحة بشكل صارخ في تحقيق اهدافها وانها مضت ابعد مما كان يتخيله بن لادن نفسه. ثم يتساءل عمن الذي يستطيع ان يدعي اننا (الامريكيين) افضل مما كنا عليه قبل تلك الهجمات او يزعم ان مخاطر الحرب الشاملة قد تراجعت؟. أمريكيون يساعدون القاعدة وتنظيم داعش اذا ما واصلنا نحن الامريكيين- استخدام سياسة المطرقة متبعين ضمنيا وصفة الجهاديين لجرنا الى مستنقع الحرب فإن ما سنحصده سيكون مزيدا من عنفهم ضد مجتمعاتنا وبشكل اوسع. فالقاعدة وتنظيم داعش تلقوا الدعم والمساعدة من سياسيين وقادة رأي امريكيين اتبع الجهاديون توجيهاتهم. ومن ذلك وصفة تيد كروز احد كبار المرشحين لرئاسة امريكا على قائمة الجمهوريين. فقد طالب امريكا باتباع سياسة الارض المحروقة مع القاعدة وتنظيم داعش فما كان من الأخيرين إلا ان سارعوا لتنفيذ مطلبه وكذلك نصيحة الصحفي والكاتب المتخصص في شؤون الشرق الاوسط والعالم في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان الذي قدم عام 2003 لواشنطن وصفة عن الكيفية التي عليها ان تحارب بها في العراق قائلا (هناك ما اسميه بالونة الارهاب.. فما نحتاج فعله معها ان نتوجه الى ذلك الجزء من العالم وتنفيس تلك البالونة. نحتاج ان نذهب الى هناك، الى قلب ذلك العالم اولا ونحمل معنا عصاة غليظة جدا ونفقع تلك البالونة. ليس هناك سوى طريقة واحدة لفعل ذلك.. ما يحتاجون رؤيته هو ابناء وبنات الامريكيين ينتقلون من بيت الى بيت من البصرة الى بغداد وهم يسألون.. اي جزء من هذه العبارة لم تفهموه؟ انتم تعتقدون اننا غير حريصين على حماية مجتمعنا وتعتقدون اننا سنسكت عن هذا الوهم البالوني وندعه دون محاسبة؟ اذا ارضعوا من هذا). فقام تنظيم داعش بالاستفادة من وصيته ونفذها في باريس وهامبرج وفي اماكن اخرى. ما الذي علينا فعله في المستقبل؟ لقد سبق بشكل عام تقديم روشتة المعالجات التي ينبغي اتباعها. فقد طلب ان نبدأ بالاعتراف بصدق بما توصل اليه البحث والدراسة المتقنة وهو ان اولئك الذين يلتحقون بالجهاد يتوقون الى تحقيق شيء فقدوه في تاريخهم وتقاليدهم، شيء متعلق بابطالهم واخلاقياتهم وبالدولة الاسلامية المفقودة. فهؤلاء مهما كانوا متوحشين وقتلة بالنسبة لنا وحتى لدى الكثيرين في العالم العربي والاسلامي فعلينا ان نعترف بان الحل يكمن في التحدث اليهم مباشرة.. علينا ان نقتنع بأن الذي يحرض على ارتكاب اشد الاعتداءات دموية اليوم ليس هو القرآن وانما هناك دافع ذاتي. نداء يسارعون لتلبيته يعدهم بنيل الشهرة والفخر في اعين اصدقائهم. في الحقيقة قليل من اولئك الجهاديين ليس لديهم خلفية معرفية عن النصوص الاسلامية أو ادنى إلمام بالعلوم الدينية. اذن افضل استراتيجية هي ما نصح به بولك وهي «البدء ببرنامج متعدد الجنسيات تصاحبه رعاية صحية للاجئين ويكون مقنعا للجهاديين سيكولوجيا وفكريا». لقد حددت الدراسة لنا عناصر البرنامج وهو يتمثل اولا في تلبية الاحتياجات المجتمعية للاجئين والتعويض عن التجاوزات السابقة التي ارتكبها الغرب بحق تلك المجتمعات ثم الدعوة لبداية جديدة. اضافة الى ذلك حسب بولك (تقديم اعتذار مصاغ بطريقة لبقة عن التجاوزات السابقة فهي لن تكلف كثيرا وسيكون لها مردود ايجابي كبير). مشروع كهذا يمكن تنفيذه في مخيمات اللاجئين او في (تلك الاكواخ البائسة في مشاريع الاسكان في حي بانيليوس بضواحي باريس) هناك حيث وجد فريق الدراسة التي اجراها عطران (تأييدا واعجابا واسعا بالقيم التي يتبناها تنظيم داعش). بل يمكن فعل اكثر من ذلك من خلال الركون بصدق للدبلوماسية والمفاوضات بدل ردود الفعل القائمة على العنف. ينبغي ان تكون هناك استجابة كريمة لأزمة اللاجئين التي كانت تتفاعل منذ زمن بعيد ثم بلغت ذروتها في اوروبا عام 2015 وسيعني ذلك بشكل مباشر زيادة الاغاثة الانسانية للمخيمات في لبنان والاردن وتركيا حيث تتفاقم مأساة اللاجئين من سوريا ويعيشون على حافة الموت. وعلى كل حال هذه القضايا تمضي اعمق بكثير من ذلك وتعطينا صورة عن قرب لأولئك الذين يصفون انفسهم بأنهم (دول مستنيرة). هناك دول كالولاياتالمتحدة تليها بريطانيا وفرنسا تتسبب في وجود اللاجئين عن طريق الاعتداءات الهائلة التي تنفذها على اوطانهم. وهناك دول كلبنان والاردن وسوريا قبل انهيارها ومعها دول اخرى في المنطقة تستقبل اعدادا كبيرة من اللاجئين بما في ذلك اولئك الذين يهربون من العنف الغربي. ثم هناك مجموعة ثالثة من الدول متداخلة بين انتاج اللاجئين ورفض استقبالهم. ليس من اولئك القادمين من الشرق الاوسط فقط بل حتى من تركة الولاياتالمتحدة الخلفية جنوبي الحدود. ان رسم صورة حقيقية لأزمة اللاجئين تتطلب تتبع عملية انتاجهم عن طريق التسبب في اجبارهم على مغادرة اوطانهم بالرجوع الى الوراء عبر التاريخ. مراسل شؤون الشرق الاوسط المخضرم روبرت فيسك نقل في احد تقاريره مثالا لتلك المرارات التاريخية من احد افلام الفيديو الاولى التي انتجها تنظيم داعش ابرز صورة بلدوزر يحطم شاخصا ترابيا يوضح الحدود بين العراقوسوريا. وفيما كانت الآلة تدمر تلك العلامة الحدودية القديمة ركزت الكاميرا على لوحة اعلانية مكتوبة بخط اليد تقرأ «نهاية سايكس بيكو». بالنسبة لسكان هذا الاقليم اتفاقية سايكس بيكو ترمز «لوحشية ولؤم الامبريالية الغربية». فأثناء الحرب العالمية الاولى تآمر سرا البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسيس بيكو وقاما بتقسيم المنطقة الى دول مصطنعة لتلبية متطلبات اهدافهم الامبريالية دون اي اعتبارات او مراعاة لمصالح اولئك الناس الذين يعيشون هناك. بل قاموا بخرق الوعود التي قطعتها بلدانهم زمن الحرب للعرب لاغرائهم بالانضمام الى الحلفاء ودعمهم في الحرب ضد المحور. سايكس بيكو كانت «انعكاسا لممارسات الدول الاوروبية التي دمرت افريقيا بنفس الطريقة. لقد حولت ما كان اقاليم تابعة مستقرة نسبيا في ظل الامبراطورية العثمانية الى اقل الدول استقرارا بين دول العالم واكثر قابلية للانفجار». تدخلات متكررة تفاقم التوترات تدخلات الغرب المتكررة منذ ذلك الزمان في الشرق الاوسط وفي افريقيا فاقمت التوترات والصراعات والاضطرابات التي فككت المجتمعات وكانت النتيجة ازمة لاجئين لا يستطيع الغرب البريء تحملها. برزت المانيا على انها ضمير اوروبا الحي في البداية ولكن لم تستمر باستقبالها مليون لاجئ في واحدة من اغنى دول العالم لا يزيد عدد سكانها على ثمانين مليونا. وبالمقارنة نجد دولة لبنان الفقيرة قد استوعبت مليونا ونصف المليون لاجئ سوري يشكلون ربع سكانها اضافة الى اكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة هم في الغالب ضحية السياسات الاسرائيلية. اوروبا تئن ايضا تحت وطأة لاجئين من الدول التي سبق ان دمرتها في افريقيا بدعم من الولاياتالمتحدة كما يشهد بذلك الكنغوليون والانجوليون وغيرهم. حاليا تحاول اوروبا رشوة تركيا التي تستضيف على اراضيها مليوني لاجئ سوري لاستقبال اولئك الهاربين من الرعب في سوريا بقصد ابعادهم عن الحدود الاوروبية تماما كما يفعل اوباما الذي يضغط على المكسيك لحماية حدود الولاياتالمتحدة من اولئك البائسين الذين يحاولون الهرب من ارتدادات نتائج حرب ريجان العالمية ضد الارهاب اضافة الى الهاربين من الكوارث التي تعرضوا لها مؤخرا ومن بينها انقلاب عسكري في هندوراس اعتبره اوباما وحده عملا مشروعا رغم انه اقام احد اسوأ غرف الرعب في المنطقة. اما بالنسبة لأزمة اللاجئين السوريين فيصعب ان يجد المرء كلمات تعبر عن موقف الولاياتالمتحدة منها. بالعودة الى سؤالنا الافتتاحي في هذا الكتاب عمن يحكم العالم؟ قد نحتاج الى طرح سؤال آخر وهو «ما المبادئ والقيم التي تحكم العالم؟» هذا السؤال ينبغي ان يكون في عقول مواطني الدول الغنية التي تمتلك القوة التي تستمتع بتفضيلات فرص وإرث من الحرية غير عادي وفره لهم اولئك الذين سبقوهم ويواجهون اليوم اختيارات مصيرية ومنها كيف يتعاملون مع التحديات الانسانية التي يواجهونها اليوم؟. غلاف الكتاب