السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم في 2016.. تحول في سياسة واشنطن.. ضغوط على الاتحاد الأوروبي.. أزمات في روسيا والصين.. وتركيا تحارب داعش
نشر في اليوم يوم 05 - 02 - 2016

تشير توقعات مراكز الأبحاث الغربية إلى أنه من المنتظر أن يشهد العام 2016 تفكك الاتحاد الأوروبي نتيجة لاستمرار أزمة اللاجئين والأزمة الاقتصادية. وسوف تظل الولايات المتحدة منخرطة في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، غير أن درجة هذا الانخراط وأسلوبه سوف تختلفان. ومن المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة إستراتيجية توازن القوى ضد الروس، حيث يتوقع تقرير صادر عن مؤسسة «جيوبوليتيكال فيوتشرز» الأمريكية أن يصل الوضع في أوكرانيا إلى تسوية ضمنية أو صريحة في 2016، والتي ستكون في واقع الأمر تأكيدا مؤقتا على الوضع الراهن.
الولايات المتحدة
ويبدأ التقرير تحليله بالولايات المتحدة بالنظر في الآثار المترتبة على الانتخابات القادمة. إن تمتع الشخصيات بأهمية ضئيلة يعد من الآراء الأساسية في علم الجيوبوليتيك. كانت السياسة الخارجية لباراك اوباما مختلفة تماما عما كان متوقعا. فالتوترات بالشرق الأوسط ظهرت نتيجة وقائع جيوبوليتيكية، وليس كنتيجة لآرائه الشخصية أو لشخصيته. في حين توقع جورج دبليو بوش فترة رئاسة مختلفة تماما تركز على الشأن الداخلي، غير أن تقرير ذلك لم يكن بيده بل بيد «القاعدة»، ونتيجة كذلك لفشل بيل كلينتون في تدميرها. فلم يتوقع بيل كلينتون مطلقا أن يتحتم عليه التعامل مع «القاعدة»، حيث ان تلك المعضلة كانت إرثا خلفه وراءه جورج بوش الأب. ومن ثم، فلا يتعلق الأمر فقط بأنه من النادر القدرة على التنبؤ بالانتخابات، لكن الأدهى من ذلك أنه نادرا ما تكون ذات أهمية. فالرؤساء لا يصنعون التاريخ، بل إن التاريخ هو الذي يشكل الرؤساء. وعلينا تذكر ذلك ونحن نتناول عام 2016.
تحول في السياسة الخارجية الأمريكية
تمثلت المشكلة الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة في كيفية إدارة قوتها الهائلة بشكل فعال. فما زالت الولايات المتحدة القوة الرئيسية في العالم، حيث تنتج ربع إجمالي الناتج المحلى العالمي تقريبا، وما زالت تسيطر على محيطات العالم وتستمر في الانخراط في مكان ما في النصف الشرقي من الكرة الأرضية. وسوف تظل الولايات المتحدة منخرطة في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، غير أن درجة هذا الانخراط وأسلوبه سوف يختلفان.
كان الدرس الذي خرجت به الولايات المتحدة من أفغانستان والعراق هو أن بمقدور الولايات المتحدة أن تهزم قوة عسكرية لكنها لا تستطيع أن تحتل بلدا وتفرض عليه السياسة السلمية إلا بتكلفة باهظة جدا تجبر الولايات المتحدة على تغيير المجتمع الأمريكي كليا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بفرض الخدمة العسكرية الإجبارية. كما ستفرض حالة طوارئ دائمة على المستوى الوطني في الولايات المتحدة، مشابهة لما حدث في الحرب العالمية الثانية، لكن مع وجود مخاطر أقل بشكل كبير.
إن من المستحيل تطبيق منهج تقوم الولايات المتحدة فيه باستخدام القوة بشكل مستمر بأوراسيا بغية حل مشكلات لا حل لها أصلا أو لا تستحق حتى عناء حلها لو كان لها حل. هذا هو الأمر الذي بدأت الولايات المتحدة في فهمه عمليا، إن لم تكن تعلمته بعد نظريا، وهو الدرس الذي سوف يتم تطبيقه بغض النظر عمن كان أو سيكون الرئيس لأنه يعد استجابة لا مفر منها لواقع لا يمكن مقاومته. وسوف يكون العام الجاري عاما تطبق فيه الولايات المتحدة هذا الدرس بشكل متزايد، وذلك في حالة الشرق الأوسط، وروسيا، والصين.
تمثل الفشل في عام 2015 في عدم قدرة الولايات المتحدة على خلق قوة مقاتلة فاعلة وكبيرة لتكون أساسا لإستراتيجية طويلة الأمد في التعامل مع المشكلات من خلال التدخلات المباشرة. وقد فشلت تلك الإستراتيجية مرات عدة حيث باتت غير قابلة للتطبيق. وليس تلك بالمشكلة الجديدة، غير أنها مشكلة لا يسهل حلها.
كان هدف الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان والعراق هو خلق جيش تقليدي كبير يدين بالولاء لحكومة موالية للولايات المتحدة وقادر في آن واحد على ضمان سيادة تلك الدول على أراضيها وفرض النزعة السلمية عليها. وقد فشلت تلك الإستراتيجية بشكل مستمر لسببين بديهيين. يتمثل أولهما في إن الحكومات التي حاولت الولايات المتحدة صنعها لم يكن لديها أي سبب لأن تكون وفية للولايات المتحدة، وفي حال استخدام الولايات المتحدة لحمايتها، فان الحكومة ستفقد شرعيتها تجاه الشعب. ويواجه الجيش المعضلة ذاتها، فقد كان ولاء الكثير من تلك الجيوش لغير الحكومة وبالتأكيد لغير الولايات المتحدة. ومن ثم، فإن الأمريكيين كانوا يقومون بتسليح أعداء لهم على المدى البعيد. أما السبب الثانى، فيتمثل في أنه بمجرد بدء الولايات المتحدة في تجنيد الجيوش الجديدة، كان أول من يتقدم للتجنيد أعضاء بقوى معادية، وكانوا يقومون بتوفير معلومات استخباراتية عن كل حركة يقوم بها الجيش. ومن هنا، بدا أن تلك إستراتيجية قد صُممت لتفشل.
وفي الشرق الأوسط كان للولايات المتحدة على ما يبدو هدفان متضاربان. فمن ناحية كانت ترغب في تدمير «داعش» وإعادة بناء الدولة القومية في العراق وسوريا. ومن ناحية أخرى، لم تكن ترغب في خوض حرب برية كبيرة. ومن ثم، ففي عام 2016 سوف تتحول الولايات المتحدة إلى تطبيق واسع لإستراتيجية جديدة، وهى إستراتيجية تعتمد على الدول القومية الموجودة بالمنطقة والقادرة على البقاء، والتي بمقدورها التعامل مع المشكلة.
أربع دول كبرى في الشرق الأوسط
توجد أربع دول كبيرة تحيط بمنطقة الصراع: تركيا، والسعودية، وإيران، وإسرائيل. وتنظر كل واحدة من تلك الدول للأخرى بعين الشك بطريقة ما، على حد قول التقرير، ولا يتعاون أي منها مع الاخر بشكل علني. وفي الوقت نفسه تخشى كل منها أن تكتسب الأخرى ميزة في المنطقة تهدد بها أمنها الوطني، غير أن أيا منها لا تملك رغبة ملحة للتورط بشكل كبير في الأزمة. في حين أن الولايات المتحدة مستعدة لتوفير الدعم السياسي واللوجيستى، من المؤن والدعم الجوى، الذي سيمنح تلك الدول القدرة على تدمير الأهداف بأقل مخاطر بالنسبة للأمريكيين. كما أنها على استعداد لتوفير قوات العمليات الخاصة لدعم العمليات العسكرية التي تقاتل «داعش» وغيرها من العناصر المعادية المحتملة الموجودة بالمنطقة. وببساطة، فان المطلوب هو تحقيق الأهداف الأمريكية السياسية بأقل خسائر وباستخدام اقل عدد ممكن الجنود من الأمريكيين.
يقوم الأمريكيون بإعادة صياغة مهمتهم بالابتعاد عن استخدام قواتهم وتوجيهها نحو حفز أو إعادة خلق الظروف التي لا يكون لتلك الدول بديل عن التحرك. وكل من تلك الدول على مقربة من العراق وسوريا، كما أن العنف في منطقة القتال شديد بدرجة كافية حتى انه يمكن أن ينتقل إلى داخل حدودهم الوطنية أو يشكل اخطارا أخرى جسيمة عليهم. إضافة إلى امتلاك كل منها قدرات كبيرة يمكن الاستفادة منها. ومع عدم وجود رغبة لدى أي منها في المخاطرة بالتحرك، لكنها من ناحية أخرى لا تستطيع المخاطرة بانتشار العنف أو تطوره في اتجاهات خطرة. وعلى عكس الولايات المتحدة فإن القتال يمثل تهديدا ملحا ومباشرا لمصلحتها الوطنية.
ستتمثل الإستراتيجية الأمريكية في حفز واحدة من تلك الدول على الأقل لتحمل عبء هزيمة «داعش» وفرض الاستقرار بالمنطقة، غير أنها ستستفيد من تشكك تلك الدول من بعضها البعض مما سيجعل كل منها يوازن قوى الأخرى، وهو ما سيمنح الولايات المتحدة وضعا قويا بعد انتهاء القتال، دون الحاجة لخوض المعركة بنفسها.
ومن أجل تحقيق ذلك كانت الولايات المتحدة تقوم بموازنة علاقاتها بالمنطقة، بتقليص علاقتها بالبعض، وتقويتها بالبعض الاخر. ومن هنا، قامت الولايات المتحدة بتقوية علاقتها بإيران، وعلى الرغم من كونها ابعد ما تكون عن العلاقات الدافئة، غير أنها أقل مرارة من ذي قبل. كما قللت من علاقتها مع إسرائيل، لكنها لم تقطعها تماما، في حين حافظت على علاقة متوترة لكن غير مستحيلة مع تركيا. وخلال عام 2015، تعاونت الولايات المتحدة من بعيد مع إيران في العراق وساعدت على إقناع تركيا بالتدخل في سوريا.
ويظهر ما سبق وكأنه إستراتيجية لتوازن القوى. وبغض النظر عن خلافات الولايات المتحدة مع إيران حول الأسلحة النووية، فقد أجبر الوضع الاستراتيجي بالمنطقة الدولتين على التعاون. ويتوقع التقرير استمرار هذا التعاون وزيادته عمقا دون تغير الأمور شكليا. وبالمثل، يتوقع التقرير أن يتم إجبار تركيا على اتخاذ خطوات لحماية مصلحتها داخل سوريا، بالتعاون مع الولايات المتحدة. وسوف تقوم بتلك الخطوات نتيجة للتحفيز الأمريكي وللضغط الناتج عن زيادة العمليات العدائية من قبل «داعش» على طول الحدود التركية الجنوبية، إضافة إلى زيادة الأعمال الإرهابية داخل تركيا. وفي الأثناء، سوف تسعى الولايات المتحدة إلى الحد من التحركات الإسرائيلية من أجل عدم خلق استجابة موحدة في العالم الإسلامي، وهو ما سيُحول الجماعة إلى قوة تحظى بدعم أوسع مما هي عليه الآن.
أوروبا
تواجه أوروبا ثلاث قضايا متداخلة في 2016. أولها، المشكلات الاقتصادية التي يعانى منها الاتحاد الأوروبي. وثانيها، مشكلة اللاجئين وخطر الإرهاب الملازم لها. وثالثها، علاقة روسيا بأوروبا، وبالتوازي، علاقتها بالولايات المتحدة. وتستتر المعضلة الأوروبية الأساسية تحت تلك المشكلات الثلاث الظاهرة: إلى أي مدى يوجد ما يسمى بالاتحاد الأوروبي؟ وإن وجد، فما القرارات التي يجب عليه اتخاذها، وإلى اي مدى يجب على الدول القومية الانصياع لتلك القرارات؟ إلى أي مدى تمتلك الدول الأوروبية مصلحة مشتركة في وجود عملية صنع قرار أوروبي؟ تدور تلك القضايا الثلاث حول القضية الجوهرية المتعلقة بالاتحاد الأوروبي، وكما تم اختبارها في الماضي سوف تتعرض تلك المؤسسة في عام 2016 لأقصى الاختبارات. وقد تشتمل تلك الاختبارات على الانفصال الرسمي لبعض الدول الأعضاء عن الاتحاد الأوروبي. ومن المحتمل بدرجة اكبر، أن تظهر الأداة الأساسية للاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأوروبي نفسه– غير ذي صلة بل وربما يُناصب دولا قومية مختلفة العداء.
القيود الاقتصادية للاتحاد
تظل القضايا الاقتصادية لأوروبا قضايا جوهرية. فبينما تتمتع ألمانيا بمعدل عمالة كامل، تعانى دول البحر المتوسط في أوروبا من معدل بطالة مروع، وصل إلى 20% في بعض الدول، وتخطى في معظمها 10%. وقد خلّفت الأزمة المالية لعام 2008 اثارا مختلفة بدرجة كبيرة. ويعود ذلك إلى الحقيقة الأساسية في أوروبا، والتي تتمثل في أن ألمانيا، وهي مركز الجاذبية واكبر اقتصاد بأوروبا، ورابع أكبر اقتصاد في العالم باتت تعتمد على الصادرات للحفاظ على هذا الوضع. وبدون تلك الصادرات لا تستطيع ألمانيا الحفاظ على معدل العمالة الكاملة. وتمتلك ألمانيا ليس فقط وعيا كاملا بأوجه ضعفها الاقتصادي بل وتعي كذلك أن احتمال انخفاض نسبة الصادرات من إجمالي الناتج المحلى أكثر بكثير من احتمال ارتفاعها. ومن ثم فان ألمانيا التي تعد محورية في مشاكل الاتحاد الأوروبي الثلاث، هي عرضة للمشاكل الاقتصادية بصورة استثنائية، ونتيجة لفهمها لذلك، فإنها تقوم بلعب دور معقد.
ومن وجهة نظر الألمان، يجب التعامل مع الأزمة الاقتصادية في اليونان بطريقتين متناقضتين. فمن ناحية، لا تملك ألمانيا القدرة على حل المشكلة اليونانية من طرف واحد بما أن ذلك سوف يخلق سابقة لا تستطيع ألمانيا العيش معها. ولذا، يتحتم عليها أن تجبر اليونانيين على أن يكونوا المسؤول الأول عن ديون بلادهم. ومن ناحية أخرى، لا تستطيع تحمل رؤية إفلاس اليونان أو مغادرته للاتحاد الأوروبي. وبما أن ألمانيا تعتمد على منطقة التجارة الحرة الأوروبية كسوق لنصف صادرتها تقريبا، فان أوصالها ترتعد من تفككها. فالإفلاس سيؤدى إلى مغادرة منطقة اليورو، ومغادرة منطقة اليورو ستمثل سابقة في الانفصال عن منطقة التجارة الحرة.
ومن ثم، فان ألمانيا كانت تقوم بلعب لعبة مزدوجة، صياغة اتفاقات لا ولن يستطيع اليونانيون الانصياع لها. وفي عام 2016، سوف تنتقل تلك اللعبة من اليونانيين إلى تحد أكبر بكثير: ايطاليا. تواجه ايطاليا بالفعل مشكلة بطالة كبيرة في الجنوب. كما أنها أصبحت تواجه معدلا متزايدا من الديون المتعثرة، وهى الديون التي لا يتم دفعها. كما أن الشركات التي استطاعت البقاء اعتمادا على احتياطها النقدي قد استنزفت تلك الاحتياطات. وبغض النظر عن السبب، فإن ايطاليا سوف تواجه أزمات بنكية شديدة في 2016. وتتوقف درجة خطورة تلك الأزمات بدرجة كبيرة على سرعة إدراك بقية أوروبا للمشكلة ومدى استعدادها لخلق حلول لها. وبالنظر إلى تاريخ أوروبا، فهذه السرعة غير محتملة وهو ما قد يخلق في وقت لاحق من العام أزمة تمثل تحديا أكبر من اليونان.
ولا يعود هذا التاريخ إلى انعدام الكفاءة، بل إلى حقيقة اختلاف مصالح الدول الأوروبية، ومن ثم فمن المستحيل لأوروبا إيجاد حلول للمشكلات. وفوق تلك القضية الجوهرية، تأتى المعضلة الألمانية. فألمانيا ذاتها تمتلك مصالح متضاربة لا تستطيع التوفيق بينها. فهى لا ترغب في تغطية ديون معدمة، كما أنها لا ترغب في خلق وضع يكون الأفضل فيه بالنسبة لدولة ما مغادرة منطقة التجارة الحرة التابعة الاتحاد الأوروبي عن البقاء بها. إن هذه المصالح المتضاربة من قبل القوة الأوروبية الأولى تزيد من تعقيد خلق سياسة متناسقة. وإذا صدقت التوقعات، وواجهت ايطاليا مشكلات كبيرة، فسيتحتم على ألمانيا أن تتخذ قرارات مؤلمة للغاية وغير شعبية من الناحية السياسية.
أزمة اللاجئين تتحدى الحدود المفتوحة
سوف تزيد أزمة أوروبا المالية من اتساع رقة المناقشة الخاصة بالحدود والتي أشعلتها أزمة اللاجئين وهجمات الثالث عشر من نوفمبر على باريس. لا تتطلب التجارة الحرة حدودا لا تخضع للرقابة إلا أنها تسهل من عمليات التوزيع. لكن وفي الوقت الذي احتلت فيه مسألة العلاقات برمتها داخل الاتحاد الأوروبي والخاصة بالمسائل الاقتصادية الصدارة، سوف تزيد الهجمات على باريس من تعقيد قضية الحدود والتي أثارتها مشكلة اللاجئين. وقد أدت أزمة اللاجئين بالفعل إلى إغلاق بعض الدول لحدودها.
وقد شمل ذلك بناء بعض الدول الأسوار على حدودها. كما قامت بعض الدول بإعادة تشغيل المنافذ الحدودية، ومع أن فرنسا لم تعد تمتلك البنية التحتية لإغلاق الحدود، وسيستغرق ذلك وقتا لإعادة بنائها في حال قررت فرنسا ذلك. كان الحفاظ على الحدود المفتوحة في وجه اللاجئين صعبا في حد ذاته، إلا انه يصبح أمرا مستحيلا عندما تشتمل مشكلة اللاجئين على تهديدات إرهابية. ان الخوف من وجود بعض عناصر «داعش» بين اللاجئين يعنى أن الأمن يجب أن يكون مضمونا ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بمنع اللاجئين من دخول أوروبا.
ويتمثل الحل المنطقى بالنسبة للأوروبيين ليس فقط في خلق سياسة موحدة ومتناسقة للاجئين، لكن أيضا بتشكيل قوة لحماية الحدود الخارجية لأوروبا، كحرس حدود دائم على سبيل المثال. ومن ثم، فان أي حرس حدود أوروبي سوف يقوم بالتحكم في الإجراءات الخاصة بالحدود للدول التي لها حدود خارجية مثل اليونان. وهناك بالفعل عدد من الوكالات المنوطة بهذه المهمة، غير أن أيا منها لا يملك الموارد المطلوبة لتأدية مهمته.
وعلاوة على ذلك، هناك دول أخرى لا ترغب في تحمل عبء حماية السواحل اليونانية، كما لن يرحبوا بسياسة أوروبية عامة خاصة باللاجئين والتي ستجعلهم غير قادرين على إدارة حدودهم بالطريقة التي ترضيهم. ومن ثم، فإن فكرة أن تقوم المجر، وسلوفاكيا، وبولندا، واسبانيا، وايطاليا، واليونان، وحتى فرنسا، جميعا بالتنازل عن التحكم في حدودها لقوة أوروبية هو أمر مشكوك فيه. بل أن مجرد قوة تقوم فقط بحراسة حدود الدول الأضعف، مثل اليونان والمجر، سوف يكون أمرا غير مقبول به.
تتداخل قضية الحدود والأزمة المالية مع توجه أوروبا نحو روسيا. وقد وحّدت الأزمة الأوكرانية معظم أوروبا في الوقوف في وجه روسيا لكن كان ذلك من حيث المبدأ وليس من الناحية العملية. فلم يكن لدى الألمان أية رغبة في إعادة إحياء الحرب الباردة، ناهيك عن حرب حقيقية. في حين تم ترك البولنديين والرومانيين وحدهم لحراسة حدودهم ضد تهديدات روسيا التي يأخذونها على محمل الجد، وذلك لأن قوات «الناتو» الإضافية كانت غير كافية ولم تحدث أي فارق. في حين كان ما تبقى من أوروبا مشغولا بأمور أخرى.
كان ما سبق بُعدا آخر لتشرذم أوروبا. وفي خلال العام المنصرم، أصبح للولايات المتحدة وجود كبير في منطقة البلطيق، ومن نواح كثيرة حلت بولندا ورومانيا محل النفوذ الألمانى السياسي. وما زالت تلك الدول تحافظ على علاقات حميمة، لكن الولايات المتحدة، وليس ألمانيا، هى التي توفر ما ينظر إليه في المنطقة على أنه ضمانات لبقائها. إلا أن ذلك يقسم أوروبا تبعا لمحور آخر، أوروبا الوسطى، وأوروبا الغربية، ويبقى السؤال المطروح الذي مفاده كيفية إدارة القضية الأوكرانية، وتهديدات أوروبا الحدودية الأخرى.
لقد حدث بالفعل تفكك كبير في أوروبا نتيجة للمسائل الاقتصادية. غير أن القضية الجوهرية، والمتعلقة بالاتحاد السياسي وما يقصد به، سوف يتم اختبارها في 2016. لقد حاول الاتحاد الأوروبي أن يصنع كعكة ويأكلها في أن واحد من خلال إنشاء اتحاد دون التخلي عن السيادة. وما كان مجرد مناقشة نظرية عامة تحول الآن إلى سؤال عملي للغاية. فسوف يُطلب من الدول الأوروبية أن تقوم بمهام عسكرية وشبه عسكرية بعيدا جدا عن حدودها الوطنية، كما سيطلب من بعض الدول التنازل عن جزء من سيادتها على حدودها. ومع وجود ضرورة قصوى لكليهما، إلا انه لا يوجد رغبة في أي منهما.
ومن ثم، ففي حين يتعلق السؤال الاقتصادي باحتمال حدوث انسحاب من منطقة اليورو من عدمه، فان السؤال السياسي يتمثل في بقاء الحدود مفتوحة للسماح بالتدفق الحر للأفراد والبضائع، وان حدث، فمن سيقوم بالتحكم فيها. وبما أنه لن يكون هناك اتفاق حول السؤال الثانى، فان أوروبا ستصبح نسيجا مجنونا من الحدود المفتوحة، والحدود المفتوحة بشروط، والحدود التي تخضع لإجراءات صارمة. وساعتها لن يقف الداعون لأوروبا مفتوحة أمام كل اللاجئين موقف المدافع فحسب، بل وسيتحتم عليهم الموافقة على شروط إقامة صارمة للاجئين؛ وبمعنى آخر معسكرات للاجئين. وبمزج ما سبق مع الأزمة الاقتصادية، فان عام 2016 سوف يكون العام الذي تتفكك فيه أوروبا، ربما ليس تماما ولكن بشكل كبير.
روسيا
تعاني روسيا مشكلات استراتيجية واقتصادية تتداخل مع بعضها البعض. تتمثل المشكلة الاستراتيجية في أن المنطقة العازلة التي كانت روسيا تحافظ عليها بينها وبين شبه الجزيرة الأوروبية آخذة في التآكل. فقد انضمت دول البلطيق إلى الناتو والاتحاد الأوروبي. كما عكست أوكرانيا من توجهها كدولة موالية بشكل معتدل لروسيا إلى دولة داخل المعسكر الغربي بدرجة قوية. وفي الأثناء، انخفضت أسعار النفط بصورة كبيرة، وزال معها صمام أمان الاقتصاد الروسي. ان فشل روسيا في تحويل عائدات النفط الهائلة إلى اقتصاد أكثر حداثة تضع الآن روسيا في وضع خطر يتمثل في اعتماد بقائها الاقتصادي بصورة كبيرة على سلعة لا تتحكم في سعرها.
وهناك رابط بين الاثنين من هذا المنظور. فقد كانت أوروبا تعتمد بشكل كبير على تزويد روسيا لها بالغاز الطبيعي والنفط. وعندما كانت أسعار الطاقة مرتفعة كان بمقدور روسيا استخد0ام تلك السلع كأداة إستراتيجية. كانت أوروبا، وبخاصة بلدان وسط أوروبا، بحاجة للطاقة، في حين كان بمقدور روسيا نتيجة امتلاكها احتياطيات نقدية كبيرة، أن تعطل تدفق النفط دون إحداث أضرار كبيرة باقتصادها. وقد أجبر ذلك الدول الأوروبية على التصرف بحذر تجاه روسيا نتيجة قدرتها على قطع إمدادات الطاقة عنها – وعن دول أخرى مثل تركيا.
ومع انخفاض أسعار البترول لأكثر من النصف، تقلص التدفق النقدى من الطاقة بصورة كبيرة أيضا وتحتم الآن على الروس أن يعيدوا توجيه احتياطي النقدية لسد العجز بين احتياجات روسيا وأسعار النفط الذي انخفض بشكل غير متوقع. وما زال الأوروبيون في حاجة إلى الطاقة الروسية، غير أن روسيا لم تعد في وضع يسمح لها باستخدام إمدادات الطاقة كسلاح استراتيجي. وللمبالغة، ولكن بدرجة ليست بالكبيرة، فان ما كان سلاحا مصوبا تجاه رأس أوروبا قد صار سببا مضمونا لهلاكهما على حد سواء. وما زالت تدفقات الطاقة على حالها، غير أنها ما عادت تمثل سلاحا في يد روسيا.
القضية الأوكرانية
في بداية تغيير النظام في أوكرانيا إلى نظام موال للغرب، اكتشفت روسيا أن استخباراتها وقدرات عملياتها السرية محدودة. فقبل التغيير كانت روسيا تسيطر على أوكرانيا بصورة غير محكمة، أما بعد التغير فإن روسيا أصبحت تتحكم في القرم فقط، والتي كانت تتحكم بها قبل وجود أوكرانيا، وعلاوة على ذلك، فإنها منطقة صغيرة إلى حد ما في شرق أوكرانيا. لقد احتفظت روسيا بالفتات فقط مما كانت تسيطر عليه في السابق. ومن الواضح أنهم عانوا من خطأ استخباراتي كبير، كالفشل في توقع الأحداث في كييف، والفشل في استيعاب ما يدور أثناء وقوعه والفشل في إيجاد نقاط للضغط على الحكومة الجديدة. وعلاوة على ذلك، فان الانتفاضة التي حاولوا القيام بها في شرق البلاد فشلت في إشعال انتفاضة على نطاق أوسع ولم تنجح القوات الموالية لروسيا في إخضاع الأوكرانيين.
وفي الواقع، فإن الأوكرانيين قاتلوا الروس حتى وصلوا بهم إلى وضع الجمود. لم يكن هناك أي تدخل عسكري مباشر من قبل الروس، ويعزى ذلك جزئيا إلى خوفهم من العواقب وجزئيا إلى افتقاد الجيش الروسي القدرة على تنفيذ عملية على نطاق واسع حتى وان لم يواجه سوى مقاومة محدودة. وكان ذلك في أعقاب تدني أسعار النفط عندما وجد الروس أنفسهم، خلال معظم 2015، في وضع صعب للغاية.
البحث عن نفوذ في سوريا
كان الروس ينظرون من الناحية التاريخية إلى الشرق الأوسط على أنه منطقة نفوذ لهم كما أنها تمثل نقطة ضعف بالنسبة للقوى العظمى المعادية. تمثلت إستراتيجية الروس في التصارع مع العثمانيين، والبريطانيين، والأمريكيين في العثور على نقطة ضغط تُلحق الأذى بالطرف الآخر بصورة كبيرة كى يقدم تنازلات في مناطق أخرى أهم بالنسبة للروس.
وقد خدم التدخل الروسى في سوريا كلا الغرضين، فمن ناحية، قام الروس بتعقيد موقف اتسم بالتعقيد أصلا، والهدف إظهار قدرتهم العسكرية للأمريكيين وللشعب الروسى. كما أرادوا إسداء خدمة للأمريكيين. فالولايات المتحدة تعارض نظام بشار الأسد، لكن نظرا لقوة تنظيم «داعش»، فإن سقوط الأسد ربما يعنى سقوط دمشق، وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة تحمله. ومن هنا ساعد التدخل الروسى من ناحيتين، أولاهما وأهمهما، توفير الدعم الذي لا تستطيع الولايات المتحدة توفيره للأسد، وثانيهما، توفير قوة ضاربة إضافية ضد تنظيم «داعش»، حتى وان كانت محدودة.
كان الهدف من المناورة الأمريكية أن تصيب الأمريكيين بالضيق وتساعدهم في أن واحد، وذلك بأن تظهر لهم عدم التقليل من قدرات روسيا العسكرية وإقناعهم بأن روسيا تقدم لهم معروفا. لم يكن الهدف الأكبر من تلك المناورة يتعلق بالضرورة بسوريا، والتي كانت دائما امرأ ثانويا بالنسبة للروس، بل كان يتعلق بأوكرانيا. وبالنظر إلى قدرات روسيا في الشرق الأوسط، ولاستعداد روسيا للتعاون، فإن الولايات المتحدة ربما تفكر في التوصل لحل وسط فيما يتعلق بما يُعد، في النهاية، مصلحة ثانوية للأمريكيين.
ومن وجهة النظر الأمريكية، أظهرت الولايات المتحدة بأن لديها القدرة على التغلب على روسيا في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، لا يوجد لدى الولايات المتحدة نية للدخول في عملية عسكرية هناك. وذلك لضخامة حجمها وبعدها الشديد، ووجودها خارج نطاق المصالح الأمريكية الجوهرية بدرجة كبيرة. وتشمل تلك المصالح الحد من المغامرات العسكرية الروسية غرب أوكرانيا.
ولذا فإن الولايات المتحدة على استعداد للتوصل إلى حل وسط حول أوكرانيا، في الوقت الذي تستمر فيه في حشد الموارد من البلطيق إلى البحر الأسود. أما بالنسبة لدول أوروبا الأخرى، فبالطبع لديهم وجهات نظر شتى. فسوف يخشى خط الدفاع الأمريكي، ويشمل ذلك بلدان بحر البلطيق، وبولندا، ورومانيا، أن تكون تلك التسوية بداية لأوكرانيا تتحكم بها روسيا. أما ألمانيا فسوف تسعد لتلاشي الخوف الإضافي من نشوب مواجهة على حدودها الشرقية. أما باقي أوروبا فلن تبالي بالأمر نظرا لانشغالها بمشكلات أخرى.
يتوقع تقرير «جيوبوليتيكال فيوتشرز» التوصل إلى تسوية في أوكرانيا في 2016، سواء أكانت رسمية أم غير رسمية. لقد وصل الموقف في أوكرانيا إلى نوع من الاستقرار، بوجود حكومة مستقرة، مع جمود الموقف في شرق أوكرانيا وسيطرة روسيا على القرم. ويرغب الروس في نهاية الأمر في ضمان أن تكون كييف محايدة عسكريا. في حين ترغب الولايات المتحدة وأوروبا في الحفاظ على وحدة أوكرانيا. ويمكن تحقيق ذلك من خلال عدة اتفاقات. على سبيل المثال، يمكن وضع سقف للمساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا كي لا تمثل خطرا على روسيا. في حين يمكن منح الشرق درجة من الحكم الذاتي. ويمكن كذلك التوصل إلى اتفاق حول وضع روسيا في شبه جزيرة القرم. وفي نهاية الأمر، فإن شكل الاتفاق غير واضح تحديدا، بل ومن ناحية أخرى ليست له أهمية، لكن من شأنه أن ينزع فتيل الموقف.
غير أنه لا ننظر إلى ذلك على أنه حل نهائي. فسوف يقوم الروس ببناء قوتهم العسكرية، في حين ستستمر الولايات المتحدة في تقوية خط الاحتواء. وفي الوقت المناسب سوف يتم إعادة فتح المسألة الأوكرانية، إضافة إلى السؤال العام المتعلق بالدول الفاصلة بين أوروبا وروسيا.. لكن ليس في 2016، نتيجة ثقل كاهل روسيا جراء المشكلات الاقتصادية والإستراتيجية.
الشرق الأوسط
تتحفز الدينامية داخل بقية أوراسيا من العمليات الاقتصادية التى تنبع من الولايات المتحدة وتتطور إلى قضايا جوهرية تتعلق بمستقبل النظام السياسى. ومن المؤكد أن الاضطرابات في الشرق الأوسط تحتوى على قضايا اقتصادية، من حيث ان أسعار النفط تعد من الأمور الحيوية للمنطقة، غير أن تلك لا تعد القضية الجوهرية. حيث تتعلق القضية الجوهرية بالتداخل بين الدول التى خلقتها فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى تدفق ايديولوجى يتطلع لإقامة نظام إسلامى جامع للأمم (الخلافة) ليحل محل الدول المصطنعة التى خلقها الاستعمار الأوروبي في اتفاقية سايكس بيكو. وسوف يدخل هذا الصراع مرحلة حاسمة في 2016.
«داعش» يحل محل «القاعدة»
حقق تنظيم «داعش» أكثر بكثير مما كان يمكن لتنظيم «القاعدة» القيام به. فقد قام بالسيطرة على مناطق واسعة من العراق وسوريا. إن القدرة على الاستيلاء على مناطق والحفاظ عليها يمثل واقعا جديدا كليا. كان تنظيم «القاعدة» يقوم فقط بتنفيذ هجمات. أما «داعش» فقد قام فعليا بتكوين منطقة ودولة يمكن أن يدعي التنظيم أنها نواة للخلافة وفى الوقت نفسه يقوم بتنفيذ هجمات يشكل من خلالها نفسية العالمين الإسلامي وغير الإسلامي. يتمثل الموقف المعلن لتنظيم «داعش» في رسم صورة لها كقوة تبعث على الرعب. أما الموقف غير المعلن فيتمثل في استخدام هذا المفهوم في إجهاد الأعداء ودفع الدول غير الإسلامية لارتكاب الأخطاء، مثل القيام برد استراتيجي بقوات غير كافية وغير مناسبة. وبما أنهم يتوقعون الحرب فإنهم يقومون برسم ميدان المعركة النفسية.
سيظل تنظيم «داعش» خلال العام الجاري هو القوة المفردة الأكبر في ساحة العمليات بالعراق وسوريا. ومن المتوقع قيام التنظيم بتوسيع أنشطته في دول مثل السعودية، ومصر، واليمن، وليبيا. وفي الوقت نفسه، من المحتمل حتى أن يزيد من وجوده خارج العالم العربي في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا وجنوب شرق آسيا. ومع ذلك، فان تركيز «داعش» سوف ينصب في الدفاع عن رقعة الأرض التى يسيطر عليها في ميدان المعركة بالشام والعراق حيث سيتمكن من الحفاظ على معظم الأراضي التى يسيطر عليها حاليا بل وربما قام بدخول مناطق يسيطر عليها بشار الأسد أو جماعات متمردة منافسة.
إن من أكثر ما يثير الاهتمام أنه بعد مضي بضعة أعوام تحت الأضواء العالمية، لا يبدو أن أحدا يعرف حجم «داعش» على سبيل التحديد، وتدور التقديرات بين بضعة آلاف إلى بضع مئات من الآلاف. ومن اجل أن تتمكن الجماعة من السيطرة على الأراضي الممتدة من شرق محافظة اليبو السورية وحتى محافظة كركوك العراقية (على الرغم من أنها غير متصلة) وإدارتها مع استمرار توسعه نحو الغرب في سوريا، فان ذلك يتطلب قوة عسكرية كبيرة، إضافة إلى حشد كبير من الموظفين المدنيين. إن توفير الخدمات، وبيع البترول الخام، وتجديد ترسانتها من الأسلحة يتطلب هيكل قيادة عسكريا متمرسا يعمل بدقة إضافة إلى مكون من الإدارة المدنية. ومن ثم فان إجمالي قوات التنظيم يقترب من المائة ألف رجل. وبمعنى آخر، فإن «داعش» يمتلك أكبر قوة عسكرية عربية في المنطقة، وهو ما يمثل مركز الجاذبية الجيوبوليتيكية الإقليمية في الشرق الأوسط.
من غير المحتمل ان تؤتي الجهود الأمريكية ضد الجماعة ثمارها خلال العام الجاري. ومن المحتمل ان يعاني «داعش» من انتكاسات غير ان القضاء على التنظيم كلية من الناحية الاستراتيجية سوف يكون من الصعوبة بمكان نتيجة وجود حدود لما يمكن للقوة الجوية ان تنجزه، كما إن واشنطن لا تمتلك شركاء يعول عليهم على الأرض.
يتمثل أكبر عائق في طريق اجتثاث "داعش» من معاقله الحالية في حقيقة استمرار تقليل خصومه من قدرتها من خلال التعامل معه على أنه مجرد قوة متمردة في حين أنه في واقع الأمر يتصرف وكأنه قوة عسكرية تقليدية ومتمرسة. يعد التعامل مع الهزيمة والتقهقر من أفضل الاختبارات لأي قوة عسكرية. وعندما كان تنظيم «داعش» يتعرض للهزيمة لم ينهر، كما يحدث للكثير من تلك القوى، بل كان ينسحب، ويعيد تشكيل نفسه، ويتريث ثم يقوم بهجوم مضاد في بعض المناطق، وليس بالضرورة على المكان الذى هاجمه أولا.
تمثلت الإستراتيجية الأمريكية في توفير القوة الجوية، والدعم اللوجيستى والاستخباراتي للقوى الإقليمية. لكن لا يوجد توقع بأن تهزم القوة الجوية وحدها تنظيم «داعش». حيث يمكن للقوة الجوية ان تدعم القوات البرية أو تدمر أهدافا بعينها، غير ان تنظيم «داعش» لا يمكن هزيمته دون وجود قوات برية، وهو ما لا تريد الولايات المتحدة الالتزام به. يعود جزء من السبب وراء ذلك إلى السياسات الداخلية، بيد أن أغلبها يعود إلى الإستراتيجية المتبعة.
وبحسب تقديرات موقع «جيوبوليتيكال فيوتشرز» فإن تعداد قوة «داعش» يربو على مائة الف رجل. وبمقدور الولايات المتحدة ان تحشد 150 ألفا من القوات إلى العراق، وسيكون معظم هؤلاء قوات دعم وإمداد نظرا للتحديات اللوجيستية لنشر قوة على هذه المسافة البعيدة، ونظرا للعقيدة الأمريكية. ومن الأرجح ان يفشل شن هجوم على قوة شبه تقليدية محفزة بدرجة كبيرة ولفترة طويلة من الزمن. ومن ثم، يتحتم على الولايات المتحدة ان يكون لها حلفاء.
دور تركيا ضد تنظيم «داعش»
يعد الأكراد حليفا محدود القدرات، فمع تمتع مليشياتهم بسمعة عالية إلا انهم لم يتمكنوا من شن هجوم حاسم على الموصل منذ سقوط المدينة. ووفقا لتقرير «جيوبوليتيكال فيوتشرز» لا يوجد سوى قوتين تستطيعان القتال ضد «داعش» هما: إيران وتركيا. تعمل القوات الإيرانية بالفعل داخل العراق في تقديم المشورة للقوات الشيعة. ويعود السبب في انحسار المسألة النووية مع إيران إلى تشكيل «داعش» لمشكلة أهم بكثير بالنسبة للولايات المتحدة مقارنة بسلاح نووى إيراني سيستغرق إنتاجه سنوات عدة. وفى الوقت نفسه، وبينما يمكن لإيران تقديم يد العون في العراق، إلا ان الولايات المتحدة لا ترغب في رؤية الإيرانيين وهم يقومون باحتلال العراق، كما أنه من غير الواضح إن كان الجيش العراقي في وضع يسمح له بالنهوض بعملية متعددة المراحل كتلك.
وهنا لا يبقى غير تركيا، التى تمثل مركز الثقل للمشكلة الإستراتيجية وذلك لكونها القوة الإقليمية الوحيدة التي تمتلك قوة تستطيع قتال «داعش». ولا ترغب تركيا في قتال التنظيم لعدة أسباب. أولها يكمن في الخوف من إمكانية هزيمة «داعش»، والأسوأ من ذلك تمزيقها، وعندها ستجد تركيا نفسها منغمسة في تمرد لا تستطيع الخروج منه أو الفوز فيه. وعلاوة على ذلك، تناصب تركيا نظام الأسد العداء على وجه خاص، والذى قام بتشكيل تحديات خطيرة لتركيا عدة مرات على مر تاريخها. ويمثل تنظيم «داعش» ونظام الأسد العلماني تحديا لتركيا. وعندما تتساوى كل الأمور، فإن أنقرة ترغب في رؤية نظام الأسد مدمرا.
غير ان هناك مشكلات تواجه تلك الرغبة، أولها، أصبح تنظيم «داعش» عدوا للولايات المتحدة. ومن ثم، وناهيك عن القيل والقال، فإن الولايات المتحدة لا ترغب في تنحية الأسد، ليس لأنها ترغب في إنقاذه، لكن لأن الأولوية أصبحت لداعش. لقد طلبت تركيا من الولايات المتحدة ان تعمل معها ضد الأسد، غير ان ذلك لن يحدث الان. ثانيا، فان التدخل الروسي لحماية الأسد، والذي ينقذ الولايات المتحدة بالمصادفة من محاولة تبرير حماية الأسد بعد معارضته من قبل، وسوف يجعل ذلك كلا من تركيا وروسيا على جبهتين متنافستين. إن معارضة تركيا للأمريكيين والروس في آن واحد وبالقرب من حدودها يعد خطرا مؤكدا.
وبحسب تقرير المؤسسة الأمريكية، فإن الأتراك لا يرغبون في التعامل مع «داعش»، لكنها لا تملك حق الاختيار، إذ سيتحتم عليهم قتال تنظيم «داعش» الذي أخذ في التطور في اتجاهات لم تتوقعها انقرة. تمتلك الولايات المتحدة قوة جوية كافية لتكبيد «داعش» الخسائر مع القيام بعمليات محدودة مع الأكراد. ويمتلك الروس قوة كافية لحماية الأسد والقيام بعمليات محدودة ضد أعدائه. غير أن أيا منهما لن يقوم بنشر قوات كافية لهزيمة «داعش». وقد أظهرت الجماعة أن لديها قدرة احتمال ضئيلة للضغوط، بينما تقوم بالرد كما حدث في باريس ولبنان وشرم الشيخ. كما أنها قامت كذلك بمهاجمة تركيا. وهناك سبب وراء تلك الهجمات، فبعد أن يهدأ الغضب، ستقل كذلك الرغبة في قتال «داعش»، أو على الأقل هذا ما يأمله التنظيم.
يمثل الأمر بالنسبة لتركيا معضلة استرتيجية. أولا، يمكن أن ينتقل القتال الدائر على طول حدودها إلى الداخل ليس فقط في صورة أعمال إرهابية ولكن بخسارة أراض أيضا. ثانيا، تواجه تركيا مطالب أمريكية وروسية بالتدخل. وبالنظر إلى اعتماد تركيا على الطاقة الروسية واعتمادها الاستراتيجي المطلق على الولايات المتحدة، فان مقاومة كلتا الدولتين ستكون مستحيلة. لن يأتي قتال «داعش» كتحرك مفاجئ وكاسح داخل سوريا، بل من المتوقع حدوث زيادة بطيئة لكن منتظمة في العمليات التركية. ورغم أن تركيا مقيدة بقدراتها المحدودة وبرغبتها في تجنب المخاطر، إلا أن لديها واجبا في الوقت نفسه يتمثل في إبعاد القتال عن حدودها. وقد قاومت تركيا هذا الواجب معظم الوقت، غير أن 2016 سيكون العام التى يتغلب فيها واجبها على قيودها. وكما تعلم تركيا جيدا، فبمجرد عبور الحدود بقواتها البرية، فستجد أنه من الصعوبة بمكان العودة إلى موقفها السابق.
سيمثل قتال تركيا لتنظيم «داعش» أهم حدث في العام الجاري في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط لأنه يعالج مسألة «داعش»، لكن لأنه سيعلن كذلك عن بزوغ نجم تركيا كقوة إقليمية. ستستمر إسرائيل في العيش في مستوى منخفض من العنف دون تغيير إستراتيجيتها، كما ستواصل السعودية اختبار قوتها دون خوض أى مخاطر بلا داع، وكذلك سوف تستمر شمال إفريقيا في الغليان دون أحداث جذرية. ومن المتوقع أيضا حدوث توسُّع في عمليات «داعش» خارج حدود العالم العربي، والى أجزاء في إفريقيا وآسيا. وقد وضع تنظيم «داعش» جدول أعماله في 2016 وسوف تكون الطريقة التى تغير بها تركيا من موقفها لحظة مصيرية.
صادرات ألمانيا تحكم علاقتها مع العالم
تستطيع واشنطن هزم جيوش الدول لكنها لا تستطيع إقامة السلام
لحظة دخول تركيا في حرب مع داعش هي الأهم في الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.