قبل أيام قليلة قابلت في المقهى صدفة إحدى السيدات اللاتي عرفتهن عن طريق صديقة مشتركة، وقبل مغادرتنا توقفنا للحديث قليلاً، ثم سألتني إن كانت لدي بضع دقائق أخرى تدعوني فيها إلى فنجان شاي، ورغم أن علاقتي بها لا تتعدى سوى الدقائق في كل مرة للسلام والسؤال عن الأحوال إلا أنها أخبرتني وهي تسكب الشاي بشكل مباشر ودون مقدمات بأنها عرفت مؤخراً بأمر خيانة زوجها لها، ومع استمرار الحديث اكتشفت أمراً غريباً، وهي أنها تحمّل نفسها ذنب تلك الخيانة، كونها لم تعد مغرية بما يكفي لأن يبقى مُخلصاً لها، وذلك أكثر بكثير من تحميله ذنب ما يجري لها ولأطفالها جراء نزواته المتكررة. أشغلني كثيراً لومها لذاتها بهذه الطريقة، ليس لأنها لا تستحق أن تكون ضحية فقط، بل لأنها جميلة بما يكفي وأنيقة ومهتمة بجسدها ومفاتنها، وهذا ما جعلني أعود للرواية الكلاسيكية في موضوع الخيانة، وهي أن الخائن في هذه الحالة، يحاول إجبار الضحية معنوياً على البقاء تحت رحمته مهما كلّفه الأمر، مستخدماً كل الطرق للتقليل من شأنها ومراوغتها والتملّص من الاعتراف والاعتذار طالما لا يوجد دليل واضح يمكن للمجتمع أن يدينه به. هذا الرجل أوهم زوجته بأنَّ الطلاق يتيحُ له فرصة أفضل منها، بحيث يستطيع أن يتزوج من أي فتاة أخرى لأنه بكل بساطة (رجل)، بينما هي ستظل وحيدة بلا شريك تربي أطفالها وحدها. ومع تكرار مثل هذه الحجج تارة بشكل مباشر، وتارة أخرى بطرق ملتوية يستطيع الخائن شيئاً فشيئاً إجبار الضحية على قبول الخيانة كواقعٍ لا محالة، وذلك حتى لا يتحمَّل هو مسؤولية الانفصال، إنَّه يتصرَّف كي تأخذ هي زمام المبادرة فتطرده من حياتها مثلا، وبذلك تصبح هي المسؤولة عن إخفاق الحياة الزوجية. لا أعلم كم مرة شاهدت هذا المسلسل الواقعي بذات الأحداث الدرامية المملة، كم مرة أوجعني أن تكون الضحية مذنبة في كل الأحوال، فإن صبرت لاموها على عدم انتفاضتها، وإن انتفضت لاموها على قلة صبرها، وإذا انهارت اعتبرت مجنونة أو مكتئبة، وإذا لم تُخطئ بردَّات فعل مفرطة فهي باردة ولا تحبه. المهم كما ترون أن كل الطرق تساعده وتدعمه وتدعوه إلى تبرير خيانته، هذا بالإضافة إلى أن الزوجة دوماً هي المسؤولة، لأنها لم تحافظ على منزلها، ولم تدار على شمعتها التي احترقت.. وأحرقتها. بقي أن أقول لكم إنني سأخاصم هذا المقهى وأقاطعه تماماً لأنه شهد العديد من الاعترافات المتشابهة لضحايا لا يستحقون ذلك، كما لا أستحق أنا أيضاً أن أتوجع أثناء الاستماع لمسلسل درامي شاهدته عشرات المرات.