إعلان إيران يوم الخميس 12 مايو 2016، مقاطعتها لشعيرة الحج لهذا العام، مبررة موقفها برفض السعودية تلبية شروطها بشأن مواطنيها الحجاج، والتي تمثلت بناء على ما نقلته وكالة الأنباء السعودية عن وزارة الحج والعمرة، في منح التأشيرات لحجاجهم من داخل إيران، فبسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين فقد تم الاتفاق مع سويسرا بإدارة الشؤون القنصلية للرياض في طهران فيما يخص التأشيرات الخاصة بالحجاج الإيرانيين وهذا الأمر متعارف عليه دولياً، وقد عملت السعودية الأمر نفسه فيما يتعلق بتأشيرات الحج والعمرة للإخوة الليبيين، فبعد إغلاق مقر سفارة السعودية في طرابلس، قامت بتعميد سفارتها في تونس لمنح التأشيرات. كما ان الوزارة ذكرت ان الحجاج الايرانيين يمكنهم الحصول على تأشيرات الحج الكترونياً من خلال إدخال بيانات حجاجهم. الشرط الثاني هو إعادة صياغة الفقرة الخاصة بالطيران المدني فيما يتعلق بمناصفة نقل الحجاج بين الناقلين الجويين الإيراني والسعودي وبناء على كثير من الخبراء فان هذا الشرط يعد مخالفة للمعمول به دولياً، والشرط الاخير هو تضمين فقرات في المحضر تسمح لهم بإقامة «دعاء كميل ومراسم البراءة ونشرة زائر»، كما ذكر بيان الوزارة ان هذه التجمعات تعوق حركة بقية الحجيج من دول العالم الإسلامي. ان استغلال إيران لموسم الحج كورقة سياسية ليس بجديد وأصبح يذكرني بالأفلام الهندية في أواخر الثمانينيات٬ التي تدور بنفس القصة ونفس الرتابة، ينتقم البطل من المجرم الذي قتل اهله ثم يسقط في حب ابنة المجرم، كانت معظم الافلام الهندية تدور حول نفس القصة ولكن بأبطال مختلفين. فالقصة الايرانية مع الحج لا تختلف كثيرا هي نفسها برتابتها وتكرارها منذ بداية الثورة في 1979، عبر القيام بتظاهرات في موسم الحج تحت ذريعة «إعلان البراءة من المشركين» وهو الشعار الذي ألزم به الخميني الايرانيين أو من يؤمن بولاية الفقيه، برفعه وترديده في مواسم الحج من خلال مسيرات أو مظاهرات تتبرأ ممن يزعم أنهم من «المشركين» من خلال ترديد هتافات بهذا المعنى، من قبيل «الموت لأمريكا» و«الموت لإسرائيل». كان الخميني يعتبر ان «إعلان البراءة من المشركين» واجب عبادي سياسي، وهو من أركان فريضة الحج التوحيدية، وواجباتها السياسية. وكان يزعم أن الحج من دون هذه الواجبات «لا يكون صحيحا». وبالتالي بدأت القصة الايرانية مع الحج منذ الثورة الايرانية سواء في احداث 1987 في مكة التي نتج عنها مقتل 402 شخص، او حادثة نفق المعيصم في 1989 أو غيرها من الأحداث التي حاولت إيران من خلالها هز أمن واستقرار الحج. وكانت السعودية دائما تؤكد على عدم تسييس موسم الحج والعمرة وتمنع أي محاولة لإثارة الفوضى. وفي الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تكرر نفس الرد السعودي الحكيم على مقاطعة ايران لشعيرة الحج لهذا العام «برفض المحاولات الإيرانية الهادفة إلى وضع العراقيل لمنع قدوم الحجاج الإيرانيين بهدف تسييس فريضة الحج واستغلالها للإساءة إلى السعودية التي سخّرت كل إمكاناتها المادية والبشرية لخدمة ضيوف الرحمن وضمان أمنهم وسلامتهم وراحتهم خلال أدائهم مناسك الحج والعمرة». الأمر الثاني أعتقد ان إيران تحاول من خلال استغلالها لورقة الحج لهذا الموسم، فك العزلة التي أصبحت تعاني منها سواء على المستوى العربي والتي تجسدت بشكل واضح في الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول العربية، الذي عقد في 10 يناير 2016 بعد الاعتداء الإيراني على حرمة السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد، الذي أدان بشكل صريح الاعتداءات الإيرانية على مقار البعثات الدبلوماسية السعودية والتدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية وخاصة سوريا ولبنان والعراق واليمن، وقد تكررت نفس الإدانة في الاجتماع الوزاري للجامعة العربية الذي عقد في 10 مارس 2016 مما يعني مزيدا من الضغط السياسي والدبلوماسي من الدول العربية على ايران والتي تمثل المحيط الاقليمي لها. ثم جاءت قمة منظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في اسطنبول في 15 أبريل 2016م والتي تضمن بيانها الختامي تنديدا صريحا بدعم إيران «المتواصل» للإرهاب و«تدخلاتها» في شؤون دول المنطقة، كمزيد من الحصار الاسلامي على إيران والذي يمثل دائرة الانتماء الحضاري لها. هاتان الذراعان العربية والإسلامية اللتان كانت تعتمد عليهما ايران كشرعية لخطابها السياسي المعادي للسعودية والخليج وغطاء لتدخلاتها في شؤون الدول الاخرى فقدتهما بخسارة دعم هاتين المنظمتين. أعتقد كان لإيران فرصة تاريخية بعد الانفراجة السياسية مع المجتمع الدولي بعد الاتفاق النووي، من خلال العمل على تحسين علاقاتها الدولية مع دول المنطقة والعالم الاسلامي على اساس مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وفقا للمواثيق الدولية، إلا ان ايران استمرت للأسف على نهجها القديم في خطابها المعادي والتدخل في شؤون الدول الاخرى ودعم الجماعات الارهابية، مما سوف يزيد في عزلتها ليس فقط على المستوى العربي أو على المستوى الإسلامي بل ايضا على المستوى الدولي.