كتبت قبل فترة أن من أهم أعداء الارتقاء والتطور السلوكي غياب ثقافة الاعتذار.. فكم من فقيه وقع في الخطأ وتم تصحيح ما أفاض به، فهل اعترف بخطئه وتراجع؟.. لدينا لم نسمع عن ذلك، وكم من منظّر قرأ الأمور بعكس اتجاهها وحينما ظهرت الحقيقة.. هل اعتذر وأقر بخطئه؟. شخصيا لم أقف على اعتذار من أي منهم؟!. في اللعبة التي أخذت بلباب السعوديين كرة القدم تموج المنافسة بالاتهامات والاختلاقات، ولأنها لعبة واضحة وقوانينها معروفة سرعان ما تظهر الحقيقة. لكن هل يعتذر المتجني؟! لدينا لم يحدث حتى وإن اظهرت الصورة أن اتهامهم للحكم أو المنافس قد بُني على قرار متسرع؟!. الاعتذار ثقافة لم تتبلور لدينا، وعليه لم أجد مسؤولا تقلد منصبا وارتكب اخطاء قد خرج ليعتذر للمجتمع أنه قد جانب الصواب، لم يحدث ذلك وقد لا يحدث في ظل نفخة الكبرياء التي نعيش في اطارها في الشارع حين تعاملنا مع الآخرين وفي العمل مع المراجعين.. ثقافة تأسست من فرط انتقال سريع جدا من الفقر الى الرفاهية، ومن الكد الى الراحة.. حينما أصبحنا نأمر ولا نؤمر، نطالب ولا نقوم بما يجب علينا. اصبحنا نعيش في اطار التشبث بالرأي ولا مجال للاعتذار، وبدون زعل فما يصدر عن بعض فقهائنا هو الصح ولا طريق الى الإقرار بخطئه.. رغم أنهم بشر يصيبون ويخطئون، والأمر نفسه لعتاة الليبراليين، ومنظري كرة القدم. غياب ثقافة التراجع عن الخطأ والاعتذار اوجد عدم قبول وعنفا لفظيا مستمرا وتنافرا لا يعلم به الا الله.. نعيش هذا ونقاسي ألمه.. حتى في وقت بات الأمر مكشوفا للجميع من خلال التصوير والفيديوهات والتغريدات المثبتة.. وهلم جرا.. حتى حين التوثيق نجد الانكار ورفض التراجع. التغاضي عن ذلك والقبول به يذهب بالمجتمع الى الهبوط بالألفاظ المستخدمة مع تنمية الكراهية، وتنامي كل ما يذهب الى التنافر ولغة الاقصاء، وما يحوّل ذلك الى نيران تثير الفوضى في المجتمع وتجعله غير قادر على معرفة الخطأ من الصواب. المشكلة الاكبر أننا لا نستطيع ان نكون رأيا عاما يؤدي الى تنمية الثقافات الراقية كما هي ثقافة الاعتذار، لأنه وبكل أسف هناك قادة فكر ممن جعل معظم الرأي العام يسير وفق نظام القطيع «معهم.. معهم» لذلك وفي اطار كثرة المناكفين والمدافعين فإن الاعتذار غير مرغوب فيه ويجب دفنه. هذا ما يحصل في مجتمعنا.. وهذا ما نعانيه وكأن كل صاحب رأي أو شخصية عامة مطالب بموقف واحد لا يحيد عنه، لتنتقل الى البسطاء وقائدي السيارات حين حوادث الشارع وكل على حق والآخر مخطئ؟!.. وتجدها في فكر الجماهير الرياضية فدائما فرقهم على حق والمنافس على خطأ.. والأشد في الرياضيين أنه حين تظهر نتائج بعضهم في المنشطات ووقوعه في براثنها لا يعترف ابدا ويرفض الاعتذار عن خطأ فادح ارتكبه في حق نفسه. ما الذي نحتاجه لاعادة هذا السلوك الرائع الى مجتمعنا؟!.. السلوك الذي يقود الى التحاب والتسامح، وحتى القبول بالخطأ أحيانا.. هل نعيد صياغة مناهجنا لأجله، ثقافة الاعتذار تستحق ذلك، وتستحق أن تكون من ضمن المبادئ الأساسية حين تعليم الأطفال السلوك، لأنها ستقودنا الى احترام الاخر والاعتراف بحقوقه والأهم الرقي بفكر المجتمع وسلوكه.