(كتب الراحل عدداً من المواضيع للنشر تباعاً قبل وفاته وستستمر "الرياض" في نشرها في مواعيدها المعتادة) *** جميل أن بادر الأخ الكريم الأستاذ علي الشدي بفكرة إنشاء هيئة تجمع في جنباتها كُتّابَ الرأي العام، وأن تلاقي هذه الفكرة القبول من معالي وزير الثقافة والإعلام فتكونت هذه الهيئة وتم اختيار مجلس إدارتها من بين من شاركوا في الاجتماع التأسيسي لها. إن كبار الكتاب، عربا وغير عرب، الذين برزوا واشتهروا كلٌ في مجال ما يكتب - غير متجاوز - إنما كانت لهم هذه المكانة العالية لتمسكهم بشرف الكلمة، والأمر عندهم ثقة منهم بأن من تدخل فيما لا يعرفه ولا يلم بجوانبه سوف يوقعه في أخطاء، ويلاقي من جرائه سوء العاقبة ولذلك فإنه - لصدقهم وخبرتهم عما يكتبون - يُستشهد بكلامهم ويؤخذ في كثير من الأحايين بآرائهم إن على أصحاب الرأي في الشؤون العامة مسؤوليات عظمى، تتمثل في تحري الدقة، والصدق، والحيادية فيما يكتبون عنه من مسائل وقضايا؛ فلا يكتبون عن عمل أو فكرة أو مشروع إلا بعد التأكد من صيرورته، ثم إن دواعي الحكمة توجب عدم المغالاة في المدح والتقريظ. إذ الاعتدال والكتابة بواقعية تجعل القارئ مطمئناً لصحة ما يقرأ وتصديقه. وكذا على الكاتب ألاّ ينتقد أمراً أو مشروعاً أو فكرة قبل التأكد من حقيقة كينونته، أو وجود نقص فيه وباعتدال، ففي كلا الحالين - مدحاً أو ذماً - يجب إبداء الأسباب مؤكَّدةً بالمسوغات لموقف الكاتب من هذا الشأن العام مدحاً أو قدحاً. مع ضرورة الالتزام بعدم المغالاة في الحالين. نحن في أمسِّ الحاجة إلى مشاركة أصحاب الرأي وذوي الاهتمام بالشأن العام الوطني أن يسهموا برأيهم، ويشاركوا بمشورتهم المخلصة؛ ولن تكون لأحد المصداقية إلاّ إذا كانت آراؤه مبنية على حقائق، ويلزم لذلك ميثاق شرف يلتزم به كل من يخاطب الرأي العام ويوجه حديثه إلى مختلف المؤسسات الوطنية، وألا يخرج عن شرف هذا الميثاق، وفي المقابل فإن من يشط في رأيه أو يبتدع من جانبه ما ليس واقعاً، تحركه لذلك دوافع شخصية أو نزعات فكرية، فإن على هذه الهيئة عند حدوث ذلك محاسبة وكشف أخطاء ما كتبه وإعلان ذلك، وقد يصل الأمر إلى حرمانه من الكتابة. بهذا يثق الناس فيما يقال لهم، ويطمئن الجميع إلى سلامة ما ينشر في شتى وسائل الإعلام من تناول للقضايا المختلفة. كم هو حسن أن نعمل مثل ما يجري في بلاد أخرى من مقاضاة المتجني في كتابته على المؤسسات أو الأفراد بما ليس حقاً فيها، وتغريم الوسيلة الإعلامية التي نشرت ذلك التجني بما يعوض المتجنَّى عليه عن هذه الإساءة ويرد له كرامته وللمؤسسة مصداقيتها. كما أن على هذه الهيئة الفتية ألا تسمح لكتاب الرأي العام بتجاوز موضوعات تخصصاتهم واهتماماتهم.. فلا يحق لكاتب أن يخوض في شأن لا يعرف عنه شيئاً.. وأتذكر أن أحد الطيبين من أصحابي كان متذمراً من توجه اقتصادي معين، يراه هو غير صواب، وجاء يلح عليَّ أن أكتب عنه في حديث الثلاثاء (مقالتي الأسبوعية في جريدة الرياض)، فاعتذرت له بأنني لست من أهل هذا الميدان، فقال: ألا تثق في، قلت له: ليس الأمر ثقة أو عدمها - لكنه معرفة وإلمام بهذا الشأن - ولن أكون لسان غيري مهما كان قرب هذا الإنسان مني، وكذلك لا أسمح لنفسي أن أكتب في موضوع ليس هو من شأني أو تخصصي، ولا أعرف عنه الكفاية التي تسمح لي أن أكتب عنه مادحاً أو غير ذلك. إن كبار الكتاب، عربا وغير عرب، الذين برزوا واشتهروا كلٌّ في مجال ما يكتب - غير متجاوز - إنما كانت لهم هذه المكانة العالية لتمسكهم بشرف الكلمة، والأمر عندهم ثقة منهم بأن من تدخل فيما لا يعرفه ولا يلم بجوانبه سوف يوقعه في أخطاء، ويلاقي من جرائه سوء العاقبة ولذلك فإنه - لصدقهم وخبرتهم عما يكتبون - يُستشهد بكلامهم ويؤخذ في كثير من الأحايين بآرائهم. أما ما لكُتّاب الرأي العام من حقوق فإنه يتمثل بأن يؤخذ ما يأتي منهم مأخذاً جاداً بعين الاعتبار، والاهتمام بما فيه، وخاصة ما يوجه للمؤسسات الحكومية فيما يخص القضايا العامة. إن العبارة التي يرددها كثير من المسؤولين - عندنا - حين يلفت نظرهم إلى ما كتب عن مؤسساتهم من ملاحظات (كلام جرايد) إنها عبارة لو أن كُتاب الرأي العام التزموا فيما يكتبون دوام الدقة والموضوعية ما أعطوا الناس فرصة لقولها. تمر الدول من حولنا بمرحلة غير مسبوقة من القلق والاضطراب، والنزاع السياسي، والتمزق الداخلي نرجو الله أن يكشف هذه الغمة عن الأشقاء، ويصرف نزعات الشر والفتن عن بلادنا وبلادهم. وهنا تبرز الحاجة القوية إلى ما لكتاب الرأي وما عليهم من الإنصاف، والنزاهة، والدقة والاحتياط في كل ما يكتبون، وعلى المؤسسات الوطنية والمصالح الحكومية عدم تجاهل الآراء التي تنشر؛ فلعل فيها أو في بعضها ما يكشف عن خلل نحن في أمس الحاجة إلى القضاء عليه حفاظاً على سلامة وطننا، وحسن تنفيذنا لبرامج تنميتنا، ولنتذكر جميعاً أنه ليس لأحد حق إلاّ وعليه واجب، ولنعمل بذلك؛ ونقوم بالواجب ونطالب بالحق. إنه - مع الأسف - أن بعض كبار المسؤولين عندنا يرى أن الرأى رأيه، والصواب ما يتخذه هو من قرارات - متجاهلاً الآراء المغايرة التي يراها الآخرون، ومع أني لا أجزم بصحة كل ما يراه الآخرون، كذلك لا أجزم بصحة موقف المسؤول، فالكل قد يخطئ، والكل قد يصيب. والخير يكمن في وجوب التجاوب من المسؤول مع من يبدي له رأياً في وسائل الإعلام - إما مؤيداً لذلك الرأي أو موضحاً جوانب الخلاف معه. وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأَمِدّنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد..