سؤال: هل كل ما يرصد من مال في الميزانية لعام ما، ينفق في ذلك العام؟ وهل يجلب النتائج المتوخاة؟ وهل الكم الكبير من المشاريع التي رصدت لها أموال نفذت كلياً أم جزئياً؟ وإذا كان جزء من الميزانية لا ينفق، فهل هذا نتيجة للوفر في البند؟ أو نتيجة لعدم القيام بالعمل المتوقع؟ أو لعدم ترسية المشروع أو لعدم اكتمال تنفيذه؟ الإجابة على أسئلة من هذا النوع، رغم بساطتها، لن تجد لها إجابة في بيانات وزارة المالية التي عادة يتزامن صدورها مع صدور مراسيم الميزانية العامة للدولة. ولن تجد الإجابة كذلك الأمر عندما تزور موقع وزار ةالمالية على الانترنت، رغم وجود رابط للمشاريع موزعة حسب القطاع للعام 2015 (https://www.mof.gov.sa/Arabic/Contracts/Pages/project1437-1436.aspx) غير أن القائمة - مثلا- تدرج ألف مدرسة ضمن مشروع واحد، كما انها لا تبين حالة كل مشروع من المشروعات ذات الصلة. وحالياً، ليس واضحاً ما المشاريع الرأسمالية التي تشملها ميزانية هذا العام (2016). ولعل من المفيد أن يصدر بيان يوضح المشاريع التي رصدت لها اعتمادات في الميزانية، لكنها لم تنفذ أو لم تكتمل مع بيان السبب. وأهمية مثل ذلك الإيضاح لا تكمن في إشباع الفضول، بل بتعزيز الشفافية وإعلام المواطن وتوعيته، لاسيما أن حكومة خادم الحرمين الشريفين -يرعاه الله- قد اتخذت خطوات مهمة في هذا الاتجاه، ليس أقلها ما ورد بخصوصها في وثيقة الرؤية 2030، على سبيل المثال لا الحصر. وكما هو معلوم، فإن جزءاً مهماً من تلك المشاريع هي مشاريع بلدية. ورغبة في التحديد لنأخذ مثلاً، ما كان يصدر تقليدياً في بند المشاريع، فنجد أن ميزانية عامٍ مضى تضمنت مشاريع لإنشاء 610 مدارس جديدة إضافة للمدارس الجاري تنفيذها، والمدارس التي تم استلامها في ذلك العام. الإيضاحات المجملة مفيدة، لكن ليس واضحاً ما الانفاق الرأسمالي وما مشاريعه، ففي ذلك فائدة تبين توجهات التنمية في نواحي المملكة، والقطاعات والأنشطة التي ستستفيد من تلك المشاريع. القصد هنا أننا نتابع جميعاً نهاية كل عام الميزانية التقديرية للعام القادم، لكننا لا نتابع ما أنجز خلال العام، ولن يكون ذلك ممكناً دون معرفة ما المشاريع المخطط إنجازها أثناء العام، ووضع كل مشروع. وبالتأكيد فإن إعلان الميزانية العامة للعام القادم شيء والحديث عن إنجازات عام مضى شيء آخر. فلماذا لا يتبع بيان وزارة المالية المجمل عن العام المنصرم بيان مفصل بعد شهر أو اثنين بعد انقضاء العام، لنتابع جميعاً ما أنجز، وكذلك الإعلان عن قوائم المشاريع الجديدة. إن مملكتنا تعيش - لا شك- فترة من أهم فتراتها التنموية، خصوصاً أن الانفاق الرأسمالي نما خلال السنوات العشر المنصرمة بوتائر متصاعدة، مستفيداً من رغبة الحكومة الموقرة تعزيز مسيرة التنمية، ومستغلة فترة تحسن الإيرادات النفطية. وحالياً، ومع إعلان الرؤية 2030، ونحن على اعتاب إعلان خطة التحول الوطني، فمن المناسب الإعلان عن جردة حساب عن أداء العام المنصرم (2015) من النواحي الاقتصادية وعلى مستوى كل قطاع ونشاط، ومضاهاة ذلك بالمستهدف في الخطة الخمسية، ومن ناحية أخرى مضاهاة ما كان مقدراً في الميزانية لكل باب وبند ومشروع مع الواقع الفعلي، وسرد المشاريع ووضع كل منها من حيث التنفيذ والاكتمال وأسباب أي تعثر. وبالقطع، فالقضية لا ترتكز على اشباع الفضول المرضي لأحد، لكن ليتابع المواطن باعتباره محور التنمية ومرتكزها ما أنجز وما لم ينجز ولماذا، وذلك بالتأكيد سيساهم في زيادة الوعي وترشيده، بل ويحدده. وفوق ذلك، ليصبح الجميع أكثر تلمسا للتنمية وعناصرها وما تعنيه من ارتقاء بمستوى المعيشة عمليا وليس نظريا فقط، فضلاً عن أن تلك الشفافية تشجع المستثمرين للاطلاع على الأوضاع كما هي، بما يهيء للارتقاء بمشاركتهم في جهود التنمية والنمو. وإن أردنا إعطاء «جردة الحساب» بعداً إضافيا، فيمكن احتساب مؤشرات التنمية البشرية ونقيس الاتجاه والوتيرة التي دفعتها به إنفاق الميزانية، بل ويمكن إصدار ذلك على مستوى المنطقة والمحافظة والبلدة والقرية والهجرة تتبعا لمطلب الخطط الخمسية المتتابعة في تعزيز التنمية الشاملة المتوازنة، بما في ذلك تأثيرها على النواحي الاقتصادية - الاجتماعية، وبما في ذلك التغير في مستوى الرفاه ومتوسط دخل الفرد ومعطيات الاقتصاد المحلي في كل منطقة حضرية، بل وحتى عدد الوظائف الجديدة التي ولدها الاقتصاد، وما نصيب المواطنين منها، وما رحل منها للعمالة الوافدة.. الهدف من كل هذا وغيره رصد التنمية على وجه التحديد من حيث: الانفاق والتنفيذ والتأثير بما يؤدي لتحسين الظروف المعيشية للمواطن، باعتبار أن ذلك هو المحور، فجميعنا يدرك أن الميزانية العامة السنوية للدولة هي اداة لتنفيذ حلقة من حلقات الخطة الخمسية المقرة، وأن هناك أداء مستهدفا وأهدافا محددة وعامة، وهي بالإجمال أهداف قابلة للقياس، فلماذا لا نقيسها، ونعلن نتيجة ذلك القياس على الملأ في ربيع كل عام، فالعبرة بالنتائج.