في يوم الخميس الماضي أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن تشغيل الدرع الصاروخية الأمريكية الأولى في شرق أوروبا في قاعدة ديفيسيلو في رومانيا. وفي نفس التوقيت، أعلن الكرملين أن بدء تشغيل النظام الأمريكي المضاد للصواريخ في رومانيا يعد تهديدا لأمن روسيا القومي ومخالفا لإتفاقية الأسلحة الصاروخية متوسطة المدى الموقعة بين الطرفين. الناطق الرسمي بالكرملين ديمتري بيسكوف قال في تصريح لوكالات الأنباء: «قلنا ذلك منذ البداية ونحن مقتنعون بأن نشر النظام المضاد للصواريخ يشكل بحد ذاته تهديدا لأمن روسيا لأن هذه المنظومة سيتم دمجها لاحقا بمشروع الدروع المضادة للصواريخ التابعة لحلف شمال الأطلسي. مشروع الدرع الصاروخية الأمريكي في أوروبا ليس جديدا لا على الأمريكان ولا على الروس والجدل حوله لم ينقطع منذ انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال دول أوروبا الشرقية التي كانت سائرة في فلكه. لم تكن أهداف المشروع الحقيقية خافية على الخبراء السياسيين في الكرملين. هدف هذا المشروع كان تعزيز ابتعاد دول أوروبا الشرقية عن روسيا الجديدة ذات الطموحات في البقاء كدولة عظمى رغم الفوضى التي تلت انهيار النظام السوفييتي. لماذا إذا هذه الضجة؟ السبب هو أن الهدف الأمريكي «المعلن» للدرع الصاروخية في أوروبا قد تهاوى قبل الإعلان عن تشغيله. كان الهدف المعلن من الأمريكان ومن بعض القادة -الأوروأطلسيين- هو لحماية أوروبا من خطر الصواريخ البالستية الإيرانية الحاملة لرؤس نووية. هذه الأكذوبة في الأساس تحدث عنها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، لكنه عاد لاحقا ليقول إنه «لم يقصد التقليل من الخطر الإيراني على أوروبا». الآن، وقد تكشفت الأمور حول أهداف الدرع الصاروخية الأمريكية في رومانيا الخميس الماضي ولاحقا في بولندا وربما غيرها من بلدان «الحزام الجديد» حول روسيا البوتينية، وبعد أن تعافت روسيا نسبيا واستعادت بعض مبررات وجودها كدولة عظمى، أكانت صفة العظمة حقيقة أم توظيفا من الإدارة الأمريكية، يمكن القول بعد تشغيل منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية في رومانيا وبعد الردود الروسية على شكل حزمة من التهديدات العسكرية، يمكن القول: إن العالم اليوم يقف أمام مرحلة جديدة من سباق التسلح. صحيح أن الرياء ما زال قائما بين أطراف التصعيد على غرار تصريح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي السيد جينس ستولن برج «بعدم وجود أية تهديدات مباشرة لأمن روسيا جراء تشغيل منظومة الصواريخ مؤخرا». هذا التصريح دفع العديد من المراقبين الأوروبيين إلى التساؤل المشروع عن مبررات هذا النظام الأمريكي المكلف، والذي سيدفع الأوروبيون جزءا كبيرا منه إذا كان الخطر النووي الإيراني المزعوم قد زال بفعل الاتفاق الموقع معهم كما أنه لن يشكل خطرا على الروس لأن لدى الروس صواريخ قادرة على اختراقه؟، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا سيتوجه السيد فرانك روز مساعد وزير الخارجية الأمريكي إلى بولندا بعد حضور مراسم تشغيل الدرع الصاروخية في رومانيا؟ سيكون السيد روز هناك لوضع حجر الأساس لبناء المنشأة الثانية من الدروع الصاروخية الأمريكية بالقرب من بلدة ريد زيكوفو شمال بولندا والتي ستدخل الخدمة في العام 2018م. وأمام التهديدات الروسية ذات الطابع العسكري على طول الحدود واستنادا على التسريبات الروسية حول القدرات العسكرية الروسية الصاروخية والتقليدية، لا يفعل المسئولون الأمريكان غير تأكيد عدم تخليهم عن جني ثمار انتصارهم على عدوهم التقليدي تحت ذرائع لا يهم أن يفهمها غيرهم. يقول السيد ويل ستفنس المتحدث الرسمي في السفارة الأمريكية في موسكو معلقا على السجال الدائر حول تشغيل الدرع الصاروخية الأمريكية في رومانيا: إن منظومة الدرع الصاروخية لا تستهدف روسيا. من المستحيل إسقاط صاروخ روسي عابر للقارات من أماكن في رومانيا أو بولندا وتهديدات الروس غير مقبولة وغير مسؤولة. وأمام هذا التعاطي الأمريكي الصلف في قضايا تخص العالم بأسره، ماذا سيفعل الروس غير ركوب موجة سباق التسلح وتثبيت مواقعهم العسكرية في العالم بمساعدة «شركائهم» الأمريكان في السباق وبمباركة التابعين من قادة أوروبا شرقا وغربا. أما النظام العالمي الجديد الذي جرى التبشير به بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والقائم على تعدد مراكز النفوذ فيبدو اليوم مهددا بعودة صراع الضواري الذي جرت العادة في السنوات الأخيرة على التندر بمن يحذر من عواقبه الوخيمة على البلاد والعباد. وفي هذا الاتجاه فإن الانعكاسات المباشرة لهذه المشكلة على المنطقة وتحديدا على الحرب في سوريا لن تكون سوى مزيد من التصعيد العسكري الروسي على الأرض والتعنت والتسويف على مستوى الحلول السياسية.