جاء تفجير مدينة الصدر امس والذي تبناه تنظيم داعش وأسقط كحصيلة أولية 50 شخصا في رقم مرشح للارتفاع ليعزز الحديث عن عمالة تنظيم داعش لطهران، حيث إن أي رصد لتحركات التنظيم يرى أنه يستهدف بوضوح خدمة المصالح الإيرانية، سواء بتجنب مواجهة حلفائها، أو بمهاجمة أعدائها، أو بتمهيد الطريق لها للسيطرة والانتشار، وفوق هذا كله تجنب أي مواجهة مع طهران سواء داخل إيران أو خارجها. استهداف «حائط صد إيران» وكانت مصادر من الشرطة العراقية ومصادر طبية قالت إن سيارة ملغومة انفجرت في حي مدينة الصدر الذي تقطنه أغلبية شيعية في بغداد أمس وهو ما أسفر عن مقتل 50 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 60 آخرين في هجوم أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه، وانفجرت السيارة الملغومة قرب صالون تجميل في سوق مزدحمة في ساعة الذروة الصباحية في مدينة الصدر. وقالت المصادر إن معظم الضحايا من النساء وإن كثيرين في حالة خطيرة، وأعلنت وكالة أعماق الإخبارية التي تدعم تنظيم داعش مسؤولية التنظيم عن الهجوم. وعند النظر لهذا الهجوم الذي استهدف -من بين القوى والمراكز الشيعية في العراق- مدينة الصدر التي تشكل مركز نفوذ قائد التيار الصدري مقتدى الصدر وهو من يقود حاليا حملة قوية جدا ضد الحكومة العراقية المدعومة إيرانيا، لا يمكن قراءته إلا بأنه محاولة لإقناع أنصار التيار الصدري بأن دعوات زعيمهم - مقتدى الصدر - لإنهاء المحاصصة الطائفية في العراق لا تصب في صالحهم أبدا بل إن السنة هم أعداء لهم يستهدفون قتلهم. والصدر الذي وصفته صحيفة الغارديان البريطانية بحائط الصد المحتمل ضد إيران في مقال لكاتبها سيمون تسدول الذي رأى أنه من وجهة نظر الولاياتالمتحدة وبريطانيا، فإن القضية الأكثر إلحاحًا حاليًا في العراق، هي هزيمة تنظيم داعش، بينما كل ما يشغل المواطن العراقي هو الفشل الذريع المستمر للعبادي وحكومته، في توفير الخدمات العامة الأساسية، وخلق فرص عمل واجتثاث جذور الفساد السائد بين الطبقة السياسية في البلاد. وأضاف المقال، إنه في ظل هذه الفجوة بين التصور الاستراتيجي الخارجي والواقع السياسي المحلي، صعد نجم مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي، وزعيم جيش المهدي سابقًا، والذي أكسبه توجهه الطائفي الشديد ومقاومته العنيفة للاحتلال الأمريكي، سمعة سيئة في الغرب، مما صنع منه بطلاً بين العديد من الشيعة العراقيين في الفترة من 2004 و2008. وأشار إلى أن حركة الاحتجاج في الشوارع التي هزت بغداد مؤخرًا، وبلغت ذروتها في الاقتحام الذي وقع نهاية الأسبوع الماضي في المنطقة الخضراء، والتي شملت مقرات الحكومة والبرلمان والسفارات، قادها إلى حد كبير مقتدى الصدر، الذي نقل مركز عملياته من مدينة النجف إلى بغداد، لافتًا إلى أن عدد المشاركين في بعض هذه التظاهرات، وصل إلى 200 ألف شخص. واعتبر أن الصدر لم يعد قائدًا للفتنة الطائفية، والتمرد المناهض للولايات المتحدة، حيث طور من نفسه ليكون رجلاً لجميع الشعب، وقومياً عراقياً وفيدرالياً، يدعم العملية الديمقراطية من خلال وسائل غير عنيفة.. ويقول سيمون تسدول إن عودة ظهور الصدر كزعيم وطني قوي، قد يكون له بعض المزايا لواشنطن، لافتًا إلى أنه على الرغم من قضائه ثلاثة أعوام في المنفى الاختياري في إيران، إلا أن موقفه الأخير الذي يتسم بالوطنية، يجعل منه حائط صد محتمل ضد النفوذ الإيراني الذي أصبح واسع الانتشار، منذ رحيل الولاياتالمتحدة من العراق. ولكن رد تنظيم داعش على ظهور قائد شيعي وطني عراقي الانتماء يرفض النفوذ الإيراني جاء باستهداف أنصار هذا الأخير في تفجير يهدد كل ما يبذله من جهد لجعل استعادة العراق من المحاصصة الطائفية هو الأولوية الأهم حاليا. دعم النظام السوري اقتصاديا مع تصاعد الثورة السورية وخروج مناطق واسعة عن سيطرة النظام وسقوطها بيد الثوار بما فيها من حقول نفط وغاز ما هدد بحرمان نظام الأسد من أحد أهم موارده المالية وتوفير مصدر دخل كبير للثوار. جاء تنظيم داعش ليس فقط ليحرم الثورة السورية من هذه الأراضي والموارد بل لكي يقوم بالتعاون مع نظام الأسد تجاريا حسب صحيفة التلغراف البريطانية، فالنظام السوري لا يشتري النفط من داعش وحسب، بل يساعدها أيضًا في تشغيل وإدارة بعض مرافق النفط والغاز. ويعد النفط من أكبر المصادر التي يعتمد عليها تنظيم داعش من حيث الاكتفاء الذاتي من جهة التمويل، وذلك منذ أن استولى التنظيم على حقول النفط الواقعة في شرق سوريا، وتُقدر إحصائية كانت أدرجتها مجلة فورين بوليسي بأن داعش تنتج نحو 44000 برميل يوميًّا من سوريا، و4000 برميل من نفط العراق، ما يجعلها تكسب مبلغًا يتراوح بين المليون والمليوني دولار من مبيعات النفط بشكل يومي. وتشير التليغراف إلى أن النظام السوري من أكبر زبائن التنظيم، حيث يتمّ بيع النفط له عبر تجار وسطاء غالبًا، ليعود الأخير ويوزعه في المناطق التي يسيطر عليها بأسعار منخفضة نسبيًّا، وذلك لكسب ولاء السكان وبسط السيطرة، وفي بعض الأحيان، يقوم النظام السوري بإمداد المدن الواقعة تحت سيطرة داعش بالكهرباء مقابل الحصول على الوقود. ويُعتقد أيضًا أن حقول النفط والغاز الأخرى تُدَار عبر الموظفين الذين بقيت رواتبهم سارية من وزارة النفط التابعة للنظام، ويُذكر في هذا السياق قرار الاتحاد الأوروبي الذي صدر في شهر مارس الماضي، ويفيد بوضع رجل الأعمال السوري جورج حسواني، مالك شركة هيسكو الهندسيّة ضمن قائمة العقوبات الأوروبية وذلك لعمله وسيطا في صفقات النفط الجارية بين نظام الأسد وتنظيم داعش. وتدير شركة هيسكو محطة للغاز في مدينة الطبقة، وهي مدينة تقع تحت سيطرة داعش منذ آب الماضي، ومنذ ذلك الوقت تُدار هذه المنشأة بالتعاون ما بين داعش، وشخصيات في وزارة الطاقة السورية حسب ما يعتقد مسؤولون، كما أنها استمرّت بتزويد المناطق التي تخضع لسيطرة الأسد بالغاز دون انقطاع. ويقدم دخول حسواني قائمة العقوبات دليلًا آخر على أن حرب الأسد ضد داعش مجرد خدعة، وعلى أنه يساندها ماليًّا كما قال فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني. داعش تهاجم الثوار لا الأسد يبين التحليل الصادر من مركز «JTIC»، أن حوالي 64% من الهجمات التي قامت بها داعش في سوريا استهدفت الجماعات المعارضة لنظام الأسد، و13% فقط من هذه الهجمات استهدفت قوات النظام السوري خلال العام المنصرم. وتتّهم الفصائل التابعة للجيش الحر داعش بأنها تعين النظام حين تترك حلب المحاصرة من قبل قوات النظام لتنشغل بكوباني وحين تدخل إلى مخيم اليرموك المحاصر من قبل النظام السوري من عام 2013 لتزيد من معاناته وتتسبب في إعطاء الشرعية للنظام السوري لاستهداف المخيم بحملة مكثفة من القصف المدفعي والبراميل المتفجرة. وقد بدأ توسّع داعش في سوريا منذ عام 2013 عبر افتتاحها مكاتب للدعوة في ريف حلب والرقة الذي كان يشهد حراكًا مدنيًّا ويقع تحت حماية فصائل تابعة للجيش الحر، تدريجيًّا استولت داعش على كلّ من مدن الباب ومنبج والأتارب وإعزاز وتل رفعت وغيرها في ريف حلب، وسرمدة وكفر تخاريم والدانة وسلقين التابعين لمحافظة إدلب، ومدينة الرقة التي اتخذتها كمعقل رئيس، وفي خلال أقل من ستة أشهر سيطرت «داعش» على مناطق واسعة في سوريا من الشرق والشمال لحلب من مناطق كلها كانت تابعة للثوار. وفي نهاية 2013، قررت داعش التوجه لاحتلال ريف حمص الشرقي، بينما كانت مدينة حمص قد وصلت إلى ذروة المعاناة والألم بعد حصار سنة ونصف أنهكت فيها كل قواها، وقد ساهمت خطوة داعش تلك في إضعاف القوى المحاصرة في حمص بشكل شديد ما أجبرها بالنهاية على التخلي عن مدينة حمص في مايو من العام الماضي. واستهدفت داعش الناشطين المدنيين وفصائل الجيش الحر على حدّ سواء في المدن المحرّرة، عبر التفجيرات أو عمليات الخطف والاغتيال، وهو ما جعل مراقبين يجدون أن تحرّكات داعش وسيطرتها على مناطق تابعة للحرّ باستمرار تصبّ في منفعة الأسد العسكريّة. تجاهل بشار لداعش تبين معطيات «JTIC» ان عمليات الأسد والتي كان أكثر من ثلثيها غارات جوية استهدفت جماعات أخرى غير داعش فمن 982 عملية من عملياته المكافحة للإرهاب من بداية العام الماضي وإلى 21 تشرين الثاني، 6% منها فقط وجهت مباشرة على داعش. وبدا توحيد الأهداف بين الأسد وداعش واضحًا في معركة حمص الشهر الماضي، وما تلاها من معارك بين الجبهة الإسلامية وداعش في حلب، وفق رأي المعارضة، حيث وفرت طائرات النظام غطاءً جويًّا لمقاتلي داعش، الأمر الذي سهل تقدم مقاتلي داعش وتنقلهم بين المدن. عندما وقع ريف إدلب تحت سيطرة الجيش الحر، قصف النظام السوري المنطقة حتى عادت تحت سيطرة داعش ورفع علمها على أحد الأبنية، وفق مسؤولي الجيش الحر. وحسب صحيفة دير شبيغل الألمانية ليس لدى زعماء داعش مشكلة في تلقي المساعدة من سلاح جو الأسد، وفي معارك بين داعش والثوار في يناير عام 2014، قصفت طائرات الأسد مواقع الثوار فقط بانتظام، في حين أمر داعش مقاتليه بالامتناع عن إطلاق النار على الجيش السوري، ليرمي التنظيم بترسانته كاملة ضد الثوار، مرسلا الانتحاريين لشن هجمات ضدهم في غضون أسابيع قليلة بعدد يزيد عما استخدمه التنظيم خلال العام السابق بأكمله ضد الجيش السوري وبفضل الضربات الجوية الإضافية، كانت داعش قادرة على استعادة الأراضي التي فقدتها. شيطنة الثورة السورية يعد ظهور داعش نقطة تحول رئيسة في مسار الحرب السورية، وطريقة التعامل الغربية مع الشأن السوري، فقد سمح ذلك للنظام بإعادة تجميع نفسه ومباغتة المتمردين في المناطق الاستراتيجية من جهة، وبعرضِ نفسه على أنه أهون الشرور. وقد بدأت القوات الجوية السورية بإجراء عدة طلعات جوية ضد عاصمة داعش في الرقة منذ 22 أيلول 2014، في خطوة تهدف بشكل واضح أنها جاءت لتتماشى مع الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب في أعقاب إطلاق قوات التحالف حملة غارات جوية تستهدف تنظيم داعش في سوريا. ويستخدم الأسد بانتظام ورقة مكافحة الجهاديين ومحاربة الإرهاب في سوريا كحجة للحصول على غطاء شرعي دولي في تحركاته العسكريّة، وفي مقابلة أجريت في 28 نوفمبر 2014، انتقد الرئيس الأسد الضربات الجوية التي يجريها التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة ضد داعش في سوريا بالإصرار على أن الإرهاب لا يمكن أن يتم تدميره من الجو، لا يمكن أن تحقق نتائج على أرض الواقع دون قوات برية معتبرًا في مقابلة لاحقة في 20 يناير 2015 أن من يجب أن يقوم بذلك هو الجيش السوري، لأنه القوة الوحيدة القوية وصاحبة الخبرة على الأرض والقادرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية الجهادية المنتشرة في البلاد. مهاجمة الدول العربية وتجاهل إيران من اللافت أيضا في نشاط تنظيم داعش ومما يؤكد عمالته أو على الأقل اختراقه بقوة من قبل الاستخبارات الإيرانية، محاولات التنظيم الواضحة لنشر الفوضى والبلبلة في الدول العربية وتجاهله الكامل لإيران رغم أنه يقدم نفسه دائما على اعتبار أنه تنظيم سني كما يزعم. فمن استهداف رجال الأمن والمساجد في المملكة إلى محاولات نشر الفوضى واستهداف قوات الجيش في مصر وصولا إلى الهجمات الواسعة في تونس سواء ضد السكان المحليين أو السياح بل والسعي لإقامة دولة في ليبيا يبدو التنظيم قادرا بشدة على التمدد والتحرك بشكل دولي وإيصال التمويل والسلاح ولكن هذه القدرة تتلاشى عندما يتعلق الأمر بإيران حيث لا يوجد أي نشاط للتنظيم رغم أن إيران أقرب بكثير للموصل الواقعة تحت سيطرة التنظيم المتطرف من ليبيا أو تونس، كما أن طهران وحسب أدبيات التنظيم المعلنة تمثل عدوه الأساسي، ولكن تبدو آمنة تماما من أي هجمات له ليظهر تنظيم داعش وعند النظر لنتائج هجماته وتحركاته في الدول العربية أداة تنفذ باقتدار مخططات الاستخبارات الإيرانية.