نعم هكذا يمكن أن نطلق هذا الاسم الطريف اللطيف الناعم على الأوامر الملكية الكريمة التي كانت مسك الختام لأيام الأسبوع الماضي، التي طارت بها كل الأصداء، وكل الأجواء، وكل الأفئدة، وكل الأحلام، وكل الحروف وما زالت.. هي كعكة سعودية بمواصفات (سلمانية) من طراز خاص، وبنكهة خاصة، ودلالات خاصة على كل المستويات.. كعكة حبلى بكل حلو، وكل مبهج، وكل حكيم. ولن نتناول ما تضمنته من حالة ميكانيكية بالدمج والإلغاء والإضافات وإنشاء الهيئات، والإعفاءات، والتعيينات وغيرها، فهذه من الأمور البدهية التي بنى عليها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - هيكلتها وصُورتها النهائية بما تتطلبه المرحلة الحالية التي تعيشها المملكة في إطار الرؤية الوطنية 2030، لكننا سنتناولها ككعكة حلوة يتناولها المواطنون كافة بالنفع والشبع.. كُل في مكانه، وفي منطقته ومحافظته وبيته.. كعكة سعودية تشبه البصمة.. أي تلك التي لا شبيه لها.. ولعلنا نخرج عن الموضوع هنا بإشارة طريفة ذكرتنا بها العبارة الأخيرة: (لا شبيه لها) نطرحها جملة اعتراضية، ثم نعود لموضوع الكعكة الوطنية السعودية.. فكلمة (لا شبيه لها).. هو المعنى لاسم السيدة الراحلة (بينازير بوتو) رئيسة وزارة باكستان السابقة، ومعناها في اللغة الأوردية: (التي لا نظير لها، أي: لا شبيه لها). ونعود لموضوعنا.. فنقتطع من الكعكة ما يقترب من ميول الكثير من فئات المجتمع السعودي، وهو إنشاء هيئتين هامتين.. كانتا محل انتظار وحلم وأمنيات، وهما: الهيئة العامة للترفيه، والهيئة العامة للثقافة.. وأحسب أنهما اُشبِعتا تناولا وطرحا وحديثا فور الإعلان عنهما.. وأحسب أيضا أن هيئة الترفيه.. إذا تم حُسن اختيار أعضاء مجلسها.. بعد أن عين خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس إدارتها الأستاذ أحمد بن عقيل الخطيب.. أقول: إذا وفق الأستاذ أحمد في مجلس إدارة متنور ومتفتح وذي أفق واسع ولم يصطدم - أي هذا المجلس - بالعوائق والمحاذير والمضادات والاجتهادات الشخصية والبيانات والرسائل والتغريدات المحرضة من قبل بعض المتشددين، وتم وضع حاجة الوطن والمواطنين المُلِحة للترفيه على أولوياته، وأن الترفيه ليس ترفا، ولا مدعاة للسوء أو المنكر أو الفحش أو البدعة، أو الغرائبية، أو التغرير الأجنبي، أو سد الذريعة أو الظن البعيد أو القريب، أو أن يأتي أحدهم بخلفية (طالبانية) فيقف صخرة عثرة أمام عملها... إلخ. فإذا ما تم التغلب على كل هذه البُثُور والثبور، وغيرها.. في الإصرار على تحقيق رغبة ولي الأمر في إنفاذ عمل الهيئة وفق الضوابط الشرعية والاجتماعية.. فإن الهيئة ستكون - بكل تأكيد - قطعة لذيذة من الكعكة الملكية الحلوة. لقد نشأت أجيال متعاقبة في بلادنا تم حقن أدمغتها ب (التحذير) من كلمة (الترفيه).. لعقود طويلة، وإنها ضمن (التابوهات) التي لا يجب الاقتراب منها، متناسين القول المأثور المنسوب للإمام علي رضي الله عنه: (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عمِيت). فنشأت أجيال لا تعرف روح الفرح، ولا الترفيه بكل صوره حتى ما يخص الأطفال منه، وأبدلناها بتعاقب السنين بوجوه عابسة، وأرواح جافة، وأفكار ضيقة، وظنون سوداء، وقلوب خشبية، وأفئدة أقرب إلى القسوة منها إلى الرقة. فالترفيه.. باختصار معناه في نظر مناوئيه: الحرام، وغير المباح، والحذر.. الحذر منه.. والنتيجة.. أن الكثير منا طار فردا، وجماعة، وعوائل.. إلى دول الأرض وأصقاعها.. يبحث عن الترفيه المفقود في وطنه، حتى بات المواطن السعودي من أكثر سياح العالم سفرا وبحثا عن الترفيه، حسب التقارير السنوية التي تطالعنا بها وكالات الأنباء. ولعل وجود هذه الهيئة سيقبض - إن شاء الله - على كل من يبحث عنها خارج الوطن، فبلادنا حبلى - ولله الحمد - بكل صور الترفيه النظيف البريء الجميل.. أما الحديث عن صِنوُ هيئة الترفيه وهو الهيئة العامة للثقافة.. فهو حديثنا المقبل إن شاء الله تعالى. ولأن الموضوع عن الهيئة السعودية العامة للترفيه.. فيستحسن أن نختم المقال ببتين طريفين معروفين جدا من التراث العربي.. فمما يروى عن الشاعر الساخر ابن الرومي (221 - 283 ه) قوله عن جاره عيسى المعروف ببخله، ولك أن تتأمل في البيتين الآتيين عزيزي القارئ هذه الصورة الكاريكاتورية الفريدة المليئة بالطرافة والسخرية.. وهي حالة قائمة في كل زمان ومكان.. يقول: يُقتِرُ عيسى على نفسِهِ وليس بباق ٍ، ولا خالِدِ ولو يستطيعُ لِتقتِيرِهِ تنفس من مِنخر واحِدِ !. أتمنى لكم أوقاتا ترفيهية ماتعة.