لم تغفل القرارات الملكية الأخيرة استحداث الهيئات العامة في مجالات مختلفة، فاشتملت على ثلاث هيئات جديدة وأخرى محولة، والجديدة هي هيئة الترفيه وهيئة الثقافة، أما المحولة عن أجهزة حكومية أخرى فهي: الهيئة العامة للدخل، وهيئة تقويم التعليم، والهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، والهيئة العامة للرياضة، وسيتمركز حديثي حول ثلاث منها، حسب ما رصده الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية من ردود أفعال كشفت عن تطلعات مجتمعية كبيرة تجاهها. ولكونها الهيئة التي أثارت جدلا واسعا سوف أبدأ بهيئة الترفيه، بكل ما أثاره مسماها من جدل في الرأي السعودي العام، ليصبح استحداثها فقط ومن منطلق إرادة سياسية نقلة نوعية في سائر المجتمع، وبالتالي كان من الطبيعي أن يوازيها أفق انتظار عريض وتطلعات مجتمعية كبيرة، وكل ما حدث من تجاذب فكري بين فئات المجتمع السعودي مرده مطاطية مصطلح الترفيه وقدرته على استيعاب أنماط لا حصر لها من وسائط الترفيه، إلا أننا وبلا أدنى شك في هذا الوطن الكبير بحاجة ماسة إلى آفاق جديدة تحقق للمواطن السعودي مساحة من الترفيه الذي يُوطّن المال السعودي، ويوفر للأسرة سعادة تتسق مع رؤية المملكة المستقبلية القائمة على الاستثمار والاعتماد على مصادر دخل وطنية غير مصدرنا الاقتصادي الأول وهو النفط. بقي أن نتساءل عن المنتظر من هذه الهيئة إذا ما عَدّدنا وسائط الترفيه بحسب تجارب دول العالم التي سبقتنا إلى مثل هذا التنظيم، والتي استثمرت الأماكن التراثية، والفنون الشعبية، والطبيعة، والمطاعم وخدمات الغذاء، والنوادي الصحية، والمتاحف، والمهرجانات والكرنفالات، والحدائق بشتى أشكالها وغير ذلك كثير، ورغم ذلك كله لوحظ أن الحوار السعودي الواسع حول هيئة الترفيه اقتصر على مجالين هما: دور السينما والمسرح، فهل من دلالة عميقة وراء ذلك؟؟. الهيئة الثانية التي يمكن الحديث عنها كهيئة محفزة لنقاش الرأي العام هي هيئة الثقافة، التي ستستغل في الاعتناء بالثقافة السعودية تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام، ودار الجدل حولها في اطر عديدة، فاطار حواري استشعر الخوف من هيمنة الوزارة بوضعها الثقافي الحالي على الهيئة، وبالتالي لا تتمكن الهيئة من القيام بدورها وبرؤيتها الجديدة التي أنشئت من أجلها، وتوجس آخرون من أن يتم اجترار السبل والوسائط العتيقة في ثقافتنا السعودية، والحجر على الرؤى والأفكار الخلاقة التي من شأنها فتح آفاق ثقافية مغايرة للمعتاد والمتداول، ثم تساءل البعض عن مدى تجاوز بيروقراطية العمل الثقافي عبر هذه الهيئة، ومدى قدرتها على سن واقع ثقافي حقيقي، وفي اطار حواري رابع ناقش البعض البديل للأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون في تصور هذه الهيئة واعتبروا أن المراكز الثقافية الشاملة هي الحل الناجع لهذا التجديد، بقي أن نقول إن فكرة إنشاء هيئة خاصة للثقافة سبقتنا بها دول مجاورة كالإمارات والبحرين والكويت وتجربتها جيدة إلى حد كبير في هذا. أما الهيئة الثالثة التي نود التطرق إليها فهي الهيئة العامة للرياضة وهي مُحولة عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وأبسط صور هذا التحول توجه هذه الهيئة بشكل اختصاصي دقيق إلى الشأن الرياضي، لا غير، وعدم تحمل المسؤوليات السابقة التي اضطلعت بها الرئاسة العامة كمسؤوليتها الاجتماعية أو الثقافية أو الشبابية، ومما لا شك سيمنحها هذا التخصص قوة مضاعفة في تطوير الرياضة لكونها تفرغت لها، فهل سنكون على موعد مع هيئة تترجم تطلعات الشارع الرياضي السعودي، بتحقيق عنصر الاستقلالية والمرونة، وإنعاش اقتصاد الأندية، والعمل المؤسساتي، وتوفير الاستثمار الرياضي.. إلخ!!.