البارحة أصبت بالفزع والخشية، بل والتقزز، لأنني، للحظة، تخيلت عالماً يحكمه عدة أشخاص، أوقفوا أنفسهم على نشر الظلام والظلمات، منهم خليفة داعش إبراهيم البدري البغدادي، و«الدكتور» أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، وحسن نصرالله زعيم حزب الله الإيراني (اللبناني المسكن)، والحزبي الهولندي خيرت فليدرز، والقس الأمريكي تيري جونز، ودوري غولد وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية، وماري لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية، وعبدالملك الحوثي زعيم جماعة الحوثيين، وقيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق العراقية، وقاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني. كل هؤلاء يطرحون مشروعاتهم السياسية الظلامية بصوت جهير وبلا حياء أو ضمير، ويودون تشكيل العالم وإعادة صياغته «جحيماً» كما يودون، ليعودوا بالإنسان الذي أنفق قروناً من العنت والجهد والدموع والدماء، في سبيل التقدم والنهوض وإشراقة الشمس، إلى عصر الوحشيات والتناهب وعلاقات الثأر والانتقام ورخص الإنسان. ولو أن هؤلاء الملوثين بالخطيئة والخطايا، حكموا العالم، فإنهم سيحولون علاقات الحياة الفكرية، وتواصل الشعوب، إلى علاقات مخالب وسكاكين، وخناجر، وكره ودم ونار، وجحيم. ويعممون الجحيم ليشتعل كل واد وصحراء ومدينة وقرية وليتحول كل جسد إلى عظام رميم وكل روح إلى رماد. «قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ» (آل عمران 118)، فهم وأمثالهم من مرضى الطائفية والتزمت والعنصرية وكل فيروسات عداء الإنسان، هم الذين يطفئون أنوار الله، ويغتالون الطيبات، وينشرون ثقافة الكره ويزينونها، ويحرضون عليها ويغوون مراهقين وأبرياء يصادرون عقولهم وينهبون إيماناتهم، ويتاجرون بالشعارات وعواطف الناس، ويحولون الخطيئة إلى سلعة فلسفية ومناسبة للمناظرات. كل واحد منهم لم يحل بأرض وإلا جعلها ميادين حروب ومعارك وقطعة من الظلام أو رقعة من جحيم. وهم، من قارات عديدة وثقافات مختلفة ورؤى متباينة، لكنهم يتساوون في أنهم جميعاً يحلمون بعالم ظلامي، سواء من ولد منهم في مدن أوروبا الفارهة التي تبتز الدنيا بقدرتها على نشر أنوار المعرفة، وحقوق الإنسان وتحريره من العتم والآثام، أو من ولد في قرى الفاقة في إيران والعراق أو على ضفاف النيل، النهر الذي يكتب تاريخل بمصر بسلسبيل الماء. هؤلاء هم الذين في الواجهة فقط، لأن هذا العالم لا ينفك ينتج الكثير من الذين ينغصون الحياة ويعودون بالإنسان إلى وحشيته الأولى، كأنما لم تخلق الجامعات ولا المدارس، كأنما لم يبعث الله في الناس أنبياء ينشرون أنوار المحبة والتسامح والإخاء. ومنهم مسلمون يقدمون أنفسهم على أنهم حراس الفضيلة والدين، لكنهم يتنكرون لأمر الله تعالى لهم بالتعاون على البر والتقوى، ويركزون كل جهودهم وطاقاتهم لتعزيز الإثم والعدوان. وتدلل هذه الأصناف على أنه يمكن المتاجرة بالدين، مثلما يفعل حسن نصرالله وجونز وأصفياؤهما ونظراؤهما، مثلما يمكن المتاجرة بشعارت الحرية والليبرالية والوطنية، كما يفعل فليدرز ولوبان وغولد، ليمسخوا أتباعهم من بشر من لحم ودم وروح وأمل إلى آلات وقنابل ومتفجرات وأدوات موت وفيروسات لنشر أمراض الكره. ̧ وتر بحثاً عن مولد الشمس.. وإشراق الروح المتبتلة.. يمم وهاد الشرق.. يمد خطاه في مسافات البيد والتعب. يقتحم ألف حقل شوك.. وألف عثرة.. وألف لغم... ويهزم ألف يأس وعتمة.. ويحتفي بقبس الضوء.