أعتقد بأننا العرب أوّل من قال بظلام الجهل فرددنا كثيرا مقولة (العلم نورٌ والجهل ظلام). مرّتْ مرحلة عربية صرفة لا يمكن أن تخلو مؤسسة تعليمية من هذه المقولة. تنافس الطلبة في التفنن بخطها وبروزتها على جدران المدارس فكانت أول ما يُصافح الزائر. كنا نعتقد ونحن صغارا بأن العلم سيضيء المكان كمصابيح النور، وأن الجهل سيتبدد مثل سواد الليل إذا أضاءت اللمبة ..! اكتشفنا لاحقاً أن الحكاية عبارة عن مقولة وصفية تحث على العلم لمحاربة الجهل. المحزن أن البعض رغم تعلّمه الظاهريّ لم يتنوّر بل ظل مُرتكساً في الظلام. السؤال: أيّ علم وأيّ ظلام ؟؟ يعتقد البعض خصوصاً الذين لم ينفتحوا على العالم أن العلوم التي تبدد ظلام الكون حسب مفاهيمهم هي العلوم التي توارثوها أباً عن جد، أي لا يُقرّون بجديدها بالرغم من كل هذه الثورات المعرفية والعلمية. أما الظلام فهو ليس كما الذي كنا نعتقده آنذاك في مفاهيمنا الصغيرة أي مثل سواد ليلة بلا قمر ولا نجوم. بل هو ظلام الروح. ظلامٌ يجعل الإنسان يرى الحياة كالحة مكتنزة بالرجس والخطايا . ظلام يجعل صاحبه يرى الناس غير أسوياء ولا منضبطين دينيا ولا أخلاقياً. أصعب أنواع الظلام بالفعل هو ذاك الذي يسيطر على روح وعقل الإنسان. إذاً حين قيل بأن العلم نور فليس المقصود مكافحة الأمية وتعلّم القراءة والكتابة ومعرفة الأعداد والأرقام، بل العلم الذي يجعل صاحبه يفهم الحياة، يعرف كيف يتقن بسويّته إدارة تفاصيلها ويتقبّل كل جمالياتها. يعرف كيف يعمل وينتج ويربي أولاده وينفع البشرية. والجهل عكس ذلك تماماً إذ ياما ناس تعلمت لكنها جاهلة بالمفهوم المعنوي للنور والظلام. " دون جوزيه "، بطل حكاية كل الأسماء للروائي العظيم جوزيه ساراماغو (منشورات طوى للنشر والإعلام) حين كان يُفتّش في ملفات المحفوظات المركزية عن أوراق المرأة المجهولة التي يبحث عنها، قال مُحدثاً نفسه بعد أن تلمّس الجدار المُزعزعْ المكوّن من الملفات : " إن الظلام الذي أنت فيه ليس أكبر من الظلام الذي في جسدك إنهما ظلامان منفصلان بجلدٍ، وأراهن بأنك لم تُفكّر في ذلك قط، إنك تحمل معك على الدوام من مكان إلى آخر ظُلمة دون أن يرعبك ذلك". ماذا عن ظلام قديم مُتجدد؟ إنهُ يتمثّل في قول البعض المتشددين بأن إحياء سوق عكاظ الذي تدور رحى فعالياته هذه الأيام في الطائف رغبة مخبوءة لبعث جاهلية دفنها الإسلام. وأقول أيها الظلام لقد خبرناك جيّداً ولن يتعايش معك وفيك من أحب النو.