جميعنا يعلم أن كل شيء له نهاية وهذه سنة الحياة، وأن الإحلال هو سنة كونية بمعنى أن يحل الجديد بدل القديم. هذا أيضا ينطبق على الحياة العملية، فالدماء الشابة -كما تسمى- تحل محل كبار السن في المنشأة والذين بدورهم يتركون العمل إما طواعية في سن أقل من الستين أو بتقاعد كامل حين بلوغهم سن الستين، وهذا يعتبر شيئا إيجابيا، حيث إن الشباب غالبا يأتون بأفكار جديدة لتطوير المنشأة وهم أيضا يقبلون على العمل بحماس وتطلع للمستقبل ما ينعكس على مصلحة المنشأة حكومية كانت أم أهلية. الشباب نعرف دورهم في البناء، لكن تساؤلي هنا عن المتقاعدين، بعد هذا العمر من العطاء وهذه الخبرة المتراكمة ما مصيرهم بعد التقاعد؟ الكثير من المتقاعدين في مجتمعنا ابتداء من اليوم الأول من حياتهم التقاعدية الجديدة يبدؤون مرحلة الخمول والكسل والركود وهذا ما يطلق عليه العامة تجاوزا (مت قاعد) ويعني انتظر الموت يا من تركت العمل، وأنا لا ألوم الكثير منهم لأننا لا نجد آلية معدة خصيصا لهذه الشريحة منا. أما أنا فأرى أنها مرحلة من عمر الإنسان يجب ألا تهمل، فكما حرص الوالدان على انتقال ابنهما للمدرسة، ثم للجامعة، ثم للعمل يجب أن يحرص المجتمع على أن تكون عملية انتقال المتقاعد من العمل المنظم الى عمل من نوع آخر، عملية سلسة، ولا تسبب للمتقاعد أي إرباك. وأقصد بذلك أن يحب المتقاعد المرحلة التي انتقل إليها فإن كان من أصحاب الهوايات التي كان العمل يمنعه من مزاولتها كالسفر والسياحة أو تأسيس مشروع صغير خاص به فله ذلك، وهؤلاء غالبا يجهزون لذلك مسبقا وقبل أن يتقاعدوا عن العمل، وهم في الغالب نسبة صغيرة. وهناك نسبة أخرى صغيرة لا ترغب في عمل شيء إما لعجزها أو لانشغالها بأمور خاصة، لكن الغالبية من المتقاعدين يرغبون في المشاركة بشيء من الخبرة التي جمعوها طوال سنين عملهم إما لتدخل عليهم مردودا ماليا مساعدا أو حتى تطوعا، خدمة لهذا الوطن الذي أعطاهم الكثير والكثير، وليستمر إحساسهم بأنهم مازالوا عنصرا فعالا في المجتمع ولم يموتوا بعد. ختاما أقدم اقتراحا عله يجد من يقوم به ألا وهو: أن تقوم جهة رسمية بالتواصل مع كل المتقاعدين القدامى، وأن يبدأ التواصل ليكون جزءا من إجراءات التقاعد، وأن يكون هذا التواصل لمعرفة خبرات المتقاعد بالتفصيل ومهاراته واستعداده للعمل الجزئي أو الكلي بدخل أو دون، وأن تعمل قاعدة بيانات تفصيلية بذلك. إذا أصبح لدينا تلك القاعدة من البيانات نفتحها لأصحاب الشركات والمؤسسات الخاصة والعامة بأجر رمزي لاستفادة الموارد البشرية فيها من خبرة المتقاعدين المدونة في تلك القاعدة، فإن فعلنا ذلك أنشأنا جسرا بين رغبة طالبي العمل من الكفاءات السعودية الموجودة التي قد يكلفهم الكثير البحث عنها أو عن بديل أجنبي لها، وبين المتقاعدين الذين يرغبون في أن يحسوا بوجودهم وبأن عطاءهم لأنفسهم وأهليهم ومجتمعهم لم ينقطع بتقاعدهم.