لا تزال بعض الجهات الحكومية تتصرف بصورة لا تناسب التقدم الذي وصل إليه الأداء الحكومي في كثير من دول العالم والدول الخليجية المجاورة، ومن بين هذه الجهات هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وقرارها الأخير المتعلق بتوثيق بصمة أصحاب الهواتف النقالة. بالتأكيد نحن جميعاً نشجع أية جهود تتعلق بحماية الأمن الوطني وردع أي نوع من التلاعب مثل استخدام جوالات تخص وافدين لأغراض غير أخلاقية أو ذات خطورة على أمن المجتمع؛ لكن من حقنا أن نتساءل أولاً عن جدوى هذا القرار والطريقة التي نفذ بها. دعونا بداية نتحدث عن طريقة التنفيذ بإلزام جميع سكان المملكة مواطنين ومقيمين وبصرف النظر عن كون هوياتهم الوطنية مرتبطة بالبصمة أو لا من قبل نظام الأحوال المدنية أو نظام أبشر الذي طبقته الجوازات منذ أعوام، وضريبة عدم الاستجابة هي قطع خدمات الجوال! هذا الإجراء لا يبدو منطقياً وكأن الهيئة لا تريد أن تبذل جهداً أقل من خلال طلب نسخة من قوائم المواطنين (على الأقل) الذين توجد لهم بصمة في الجهات الحكومية الأخرى لاختصار الوقت والجهد وعدم التسبب في المخاوف التي يعيشها كثير من المواطنين اليوم حول شبح مصادرة أرقامهم. لا أعلم هل فكرت الهيئة المعنية بالاتصالات في أهمية الجوال اليوم وارتباط الرقم ليس فقط بخدمة الاتصال بالآخرين وإنما بشبكات التواصل الاجتماعي وخدمات البنوك وغيرها والتي تتطلب وجود الجهاز والرقم عند صاحبه كي لا يترتب على الأمور جوانب أكثر خطورة على الأمن الشخصي للمواطن وخصوصيته. وبينما لم تصل كثيرا من المواطنين إعلانات مباشرة من شركات الاتصالات تتضمن التهديد بقطع الخدمة في حال عدم الاستجابة إلا قبل فترة وجيزة، وبعضها لم يكن واضحاً كون الخطوة تتعلق بالشرائح مسبقة الدفع أو المفوترة ومدى اقتصارها على الوافدين أو المواطنين. ولنفترض أن الهيئة نجحت في إعلاناتها، ألم تفكر في شرائح من المواطنين يرابطون من أجل الوطن ومشاعرهم وهم يقرأون التهديدات بقطع الخدمة عن هواتفهم النقالة بينما لا يستطيعون ترك واجباتهم الوطنية أو تفويض غيرهم لإتمام هذه المهمة. أليس من الجدير بالاهتمام أن تُفكر هيئة الاتصالات بحال الجنود السعوديين المرابطين على الحدود الجنوبية مثلا وفي مناطق أخرى لا يمكنهم توثيق بصماتهم من خلال النقاط التي حددت من قبل الهيئة وشركات الاتصالات أو أنهم فشلوا في تسجيل بصماتهم خلال أيام إجازاتهم بسبب تعطل النظام والذي اشتكى منه الكثيرون خلال الفترة الماضية؟. أليس من باب الإنصاف أن تأخذ الهيئة في الاعتبار أيضاً عشرات الآلاف من أبناء الوطن من المبتعثين والدارسين على حسابهم الخاص والذين يدرسون في أنحاء العالم ليعودوا بشهادات عليا يخدمون بها وطنهم ويساهمون في تعزيز مكانته، في حين أن هيئتهم الوطنية للاتصالات لم تفكر في كيفية توثيق بصماتهم خلال شهور لا تتضمن إجازات؟. ومن جهة أخرى، لا يزال هذا القرار المتسرع من وجهة نظري غير واضح الجدوى على الأقل من حيث تطبيقه على الجوالات المفوترة المرتبطة بسعوديين والذين سبق أن قدموا هوياتهم لشركات الاتصالات وتم التأكد من معلومات وصورة المواطن في الهوية ولدى شركات الاتصالات العاملة في المملكة توثيق لهوياتهم الوطنية وصور منها. أما عن الوافدين للمملكة فالأمر قد يكون هو المقصد لهذا النظام للتأكد من عدم بيع الوافد لشريحة باسمه قبل سفره النهائي لوافد آخر أو مواطن قد يستخدمه في سلوكيات غير أخلاقية أو ممارسات غير قانونية قد تهدد أمن الموطن، لكن على الهيئة التفكير بجدية في جدوى نظام البصمة على المدى البعيد وإمكانية وجود بدائل أكثر منطقية. العامل الأجنبي الذي انتهت خدماته في المملكة أليس بإمكانه بيع شريحة جواله بعد إجراء البصمة على أشخاص محتالين مثلاً، أليس من الأجدى هو ربط خروجه من المملكة بإعادة شريحة الهاتف الجوال إلى شركة الاتصال بدلاً من فوضى البصمة الجديدة التي تنفذها الهيئة اليوم دون جدوى واضحة. في اعتقادي أن أجهزتنا الحكومية تستطيع القفز على كثير من العوائق متى ما رفعت مستوى التنسيق والتعاون فيما بينها بدلاً من محاولة إعادة إختراع العجلة لوحدها.