في المحاضرة الثانية من ملتقى الكُتاب السعوديين الثاني، قدم مدير تحرير صحيفة الجزيرة للشؤون الثقافية الأستاذ إبراهيم التركي ورقة بعنوان: (ظواهر ومظاهر) تتعلق بقضية الكاتب والأحداث الثقافية، منطلقا من ثلاثية: (الكاتب، والأحداث، والثقافة).. ولعل الظاهرة الأبرز التي استوقفتني تعود للنقطة التي ذكرها وتدور حول سقوط النخب أو إسقاطها، الأمر الذي فسره بتواري النخب عن الواجهة أو مواراتها برضا تام من العامة، متخذا من الظاهرة الثقافية المتمثلة بمعارض الكتب وتواقيع المؤلفين وأعداد المتابعين دليلا على انحسار النخب، وهو ما يتماشى مع مقالة سابقة لي بعنوان (ليحضُر الكتاب بمعرض وبدون) دعوتُ فيها لحماية المستهلك الذي يبحث عن الثقافة ويخطئها لأن السوق الثقافي لم يحمِه، فالنخب هم قادة الفكر والثقافة، وموجودة لتفيدهم كغذاء صحي آمن بينما يتوجهون لتناول الوجبات السريعة الضارة من مدعي الثقافة باسم المناسبات الثقافية! أعتقد أن العلم له أهله وحرمته وموارده، ولا يعيب النخب عدم تنازلها للوضع العام للتجهيل والتسطيح والتقرب من العامة بما يفعله الكادحون لسرقة شهرتهم منهم، لكن السماح بالضرر باسم الثقافة نفسها هو العيب، والحل يبدأ من نشر الوعي، فلا توجد حملات مضادة لهذا الزخ الطباعي كما توجد لمثيلاتها من الظواهر والقضايا الاجتماعية المؤرقة والجنايات والتحذيرات منها وما إلى ذلك.. إنما الموجود هو مزيد من التخذيل للنخب، وقتل للموهبة، وسن لنوع جديد من الكتابات تليق بالصحف والتجارب المبكرة لا الكتب المعرفية أو الإبداعية الحقيقية.. لقد أورد الكاتب قصة يليق أن أختم بها، جرت أحداثها بين أحمد السباعي والشيخ محمد سرور الصبان -رحمهما الله- عندما دفع الأول بباكورة نتاجه المكتوب للشيخ وهو ما زال صغيرا ليعتني به الشيخ ويغري الناشر بطباعته، ووضع الشيخ الكتاب في درجه موهِما الكاتب الناشئ بأنه يسعى في الموضوع وتهِمُ المطبعة بطباعته، خوفا على مصلحته وسمعته من هذا الكتاب.. ألا نستطيع القيام بدور الشيخ على نطاق وصلاحيات أكبر من أجل إعادة الأمور لنصابها؟ نحن نحتاج لحملة وعي جادة.. فالجماهير لا تُقاد بأوراق العمل والدراسات فقط.. بل بالعمل.