قدّر خبيران اقتصاديان حجم القروض الاستهلاكية بنحو 80 في المئة من محفظة قروض الأفراد من المصارف المحلية، ووصفوا ذلك بأنه «خلل كبير» في توزيع المحفظة ويؤثر سلباً في المجتمع، لأن تلك القروض لا تفيد الاقتصاد ولا توجه إلى الإنتاج. وحذر الخبراء في حديثهم إلى «الحياة» من مخاطر المكاتب المنتشرة بأنحاء المملكة في شكل لافت وتقدم قروضاً مختلفة وبفوائد مرتفعة وتقوم بشراء المديونيات، مشيرين إلى أن تلك المكاتب غير مرخصة وتستغل ضعف رقابة مؤسسة النقد العربي السعودي وحاجة الكثير من الأفراد إلى التمويل. وقال الاقتصادي المصرفي فضل بن سعد البوعينين إن المصارف تتعامل بحذر مع نسبة القروض إلى الودائع لثلاثة أسباب رئيسة، أولها أنها تعتمد على هذه النسبة لقياس قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المودعين، والثاني أهميتها في قياس حجم المخاطر الكلية على أساس أن عملية الإقراض لا تخلو من المخاطر غير المتوقعة، فكلما زاد حجم الإقراض إلى الودائع كانت المخاطر أكبر من جوانب مختلفة. وأضاف أن السبب الثالث وهو الأهم، يتمثل في أن «المصارف تحاول جاهدة تطبيق معايير مؤسسة النقد، وهي معايير صارمة لا يُسمح بتجاوزها إلا في نطاقات ضيقة وبإشراف وتفويض من المؤسسة». وأشار إلى أن «محفظة إقراض الأفراد تسيطر عليها القروض الاستهلاكية بنسبة تقارب 80 في المئة، وهذا خلل كبير في توزيع المحفظة ويؤثر سلباً في المجتمع على رغم أن التوسع في الإقراض أمر إيجابي إذا تم توجيهه لقطاعات الإنتاج، ويعتبر أمراً سلبياً إذا جرى توجيهه للقطاعات الاستهلاكية». وأكد البوعينين أن تجاوز نسبة القروض إلى الودائع أمر سلبي ويفترض أن يكون هناك تدخل من مؤسسة النقد لتصحيح الوضع إلا أن التصحيح يحتاج إلى وقت على أساس أن الالتزامات المالية لا يمكن التعديل عليها بسهولة. وأضاف: «أعتقد أن المصارف السعودية تعاني من عدم التزام المودعين بعقود ودائعهم، كما أنها تعاني من قصر مدد الودائع لديها ما يجعلها غير قادرة على ضمان تحقيق النسبة المحددة إلا من خلال التضحية بهامش معتبر من الودائع تحسباً للمتغيرات الطارئة التي تعتبر القاعدة في السوق السعودية». وأعرب عن اعتقاده بأن «تجاوز المصارف لمعايير الإقراض الصارمة لا يمكن أن يتم بمعزل عن رقابة مؤسسة النقد التي تراقب تطورات الإقراض في جانبي الحجم إلى الودائع، والتوزيع النوعي لمحافظ المصارف الائتمانية، وإن كنت أعتقد أن المؤسسة خففت منذ زمن متابعتها للتوزيع النوعي في المحفظة الائتمانية، ما سمح للمصارف بتجاهل أهمية الإقراض التنموي في مقابل التركيز على قطاعات محددة لأسباب مرتبطة بالربحية وارتفاع معدلات الأمان وبخاصة في قطاع الأفراد». وشدد على أن الإدارة الكفؤة هي التي تستطيع تحقيق التوازن الأمثل بين الإقراض والودائع وبما لا يحدث خللاً بين الاثنين، فزيادة حجم الودائع من دون إقراضها تعني تكديس السيولة وخسائر يتحملها المصرف، في الوقت الذي يحمل فيه زيادة الإقراض على حساب الودائع مخاطر أكبر على المصرف، ويمكن للمصارف التي لا تمتلك الودائع الكافية أن تستفيد من سوق الصكوك والسندات وبما يوفر لها سيولة جديدة يمكن إدارتها في المحافظ الائتمانية، إلا أن هذه العملية لا تحقق الربحية الجيدة التي تبحث عنها المصارف. من جهته، أكد أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف سالم باعجاجة، أن معظم القروض التي تقدمها المصارف في الوقت الحاضر موجهة للأفراد ومركزة في تمويل الجانب العقاري مثل شراء منزل أو أرض، خصوصاً في ظل أزمة السكن التي تشهدها المملكة منذ أعوام. وأشار إلى أن مؤسسة النقد تفرض رقابة على المصارف المحلية بحيث لا تتجاوز نسبة القروض حجم الودائع، إلا أن هناك تجاوزات من بعض المصارف، وتحذر «ساما» دائماً من هذا التوجه وتبين خطورة ذلك، خصوصاً ما يتعلق بقروض الأفراد، وشاهدنا ما حدث أيام طفرة الأسهم من تسابق المصارف على إقراض الأفراد للدخول في السوق ثم ما حدث بعد ذلك من انهيار السوق وتعثر الكثير من الأفراد في تسديد تلك القروض. ولفت باعجاجة إلى انخفاض نسبة الفائدة التي تأخذها المصارف على قروض الأفراد، مشيراً إلى أن ذلك يرجع إلى سعي البنك إلى استقطاب أكبر عدد من العملاء إضافة إلى أن الكثير من المصارف تطلب ضمانات عدة من الأفراد المقترضين. وحذر من وجود مكاتب غير مرخصة وغير نظامية منتشرة في جميع أنحاء المملكة وتقدم قروضاً مختلفة وبفوائد مرتفعة، وتشتري المديونيات، مستغلة بذلك ضعف رقابة مؤسسة النقد وحاجة الكثير من الأفراد إلى التمويل.