مما هو ضروري ومغر للقراءة في وجبة الصحف الإلكترونية اليومية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ هناك شريط الأخبار العاجلة الذي غالباً ما ينقل الفواجع، أو زوايا تحليل قضايا المنطقة العربية التي تراكمت فوق بعضها كالظلمات، أو حديث اقتصادي لا يملك حياله الجاهل به إلا الانتقال إلى ما يفسح له عن أمل في السنوات العجاف القادمة. على الجانب الآخر، لم يعد غريبا أن تشاهد عناوين بارزة على كبرى الصفحات للحروب الكلامية بين الفنانين والإعلاميين، والقضايا التي ترفع للمحاكم بينهم في نفس السياق، والقارئ المسكين لا يملك من يدرأ عنه مثل هذه الاخبار، وأحياناً ينساق مأخوذاً بحدة العنوان لداخل الموضوع مطالعاً مجريات تلك الأخبار التي يخرج جميعنا منها كخروج الهواء من بطن بالون لم يتسع لنا حيزه ولم نسلم من صوته المزعج. دخان الصراعات الفنية المتصاعد غطى مواقع التواصل الاجتماعي والمجلات وهوامش كبرى المتصفحات، فلا يرحمنا ناقل الخبر، ولا يملك الفنانون تورعا عن هواية "نشر الغسيل" لهم أو لخصومهم، مساحات كبيرة مهدرة على نقل الترهات المصطنعة غالباً؛ التي تعمل على زيادة المتفرجين المهووسين بالفضائح فقط. من حقك أن تصف هذا بالمثالي، لكن الواقع يعلمنا منذ سنوات بأن الإعلام مؤثر قوي جداً في صناعة الرأي العام، ولأن الحدث صار صناعة لحظية لكاميرا الهاتف المحمول، صار الإعلام يتماهى كثيراً معه. والشاهد عندما ابتدأ الطفل المصور لفيديو "العم معيض" كان يطلب فقط الاعجاب بالمقطع للاستمرار في إعداد تسجيلات مشابهة، والواقع أن هناك الكثير من الشباب، لديهم قابلية لفعل ما يضمن لهم الشهرة، وزيادة المتابعين والظهور الإعلامي، وهذا يدل على أن الاعلام السطحي صار مؤثرا قويا. زهاء حديد.. المرأة التي بعثت الحضارة البابلية في عمارة العصر الحديث، امرأة عراقية عملت بتفرد؛ لتجعل لنفسها اسما لا يلمعه سوى منحنيات مبانيها، في ظروف سياسية واقتصادية لبلدها أبسط وصف لها أنها محبطة، مع ذلك تسافر لتكمل دراستها في الرياضيات والهندسة المعمارية متجاوزة ظروف وطن قاسية، وثقل الأعباء الاجتماعية كونها امرأة عربية، الكثيرون لم يعلموا من هي "حديد" إلا بعد نشر خبر وفاتها ملحقاً بما أنجزته خلال حياتها، ولم يتعثروا بخبر قريب يحمل اسمها قبل أن تلقى وجه ربها رحمها الله. إن الإعلام العربي لا يبذل جهدا كبيرا في إبراز هؤلاء المبدعين وتقديمهم كنماذج عربية مشرفة، تختزل في لا وعي الناشئة التي تقبل على الأخبار الهشة وتتناقلها في عدة سياقات معظمها يهدف لتحقيق الانتشار السريع، تلك الأمانة التي يحملها الإعلامي ليلهم القارئ فيحذو حذو المكافحين الذين عاركوا الحياة الصعبة؛ فينتج لنا العديد من زهاء حديد. قال الأديب المصري صالح مرسي (الأبطال الحقيقيون لا يعنيهم أن تسلط عليهم الأضواء ولا أن يصفق لهم الناس). هذه الحقيقة هي التي تجعل المكافح والمبدع والبطل لا يحظى بفلاشات الاعلام القوية، وعندما طغى الربح المادي على الاعلام؛ تأصل مبدأ "الجمهور عاوز كده"، وهو ما يجعلنا ندرك قيمة أن يترأس المراكز الإعلامية المؤثرة عقول نيرة تدرك حجم الصناعة والأمانة التي تعمل عليها، وحتى يقدموا من يستحق الاستحواذ على معظم الصفحات والعناوين العريضة.