أن تغزو العالم بالحروب، بالثقافة، باللغة، بالسلع فهو شيء شائع ولكن أن تغزوها بأسواق كاملة، هنا يكمن الحدث، والصين فعلتها وليس هي المرة الأولى في غزوها للعالم ولكنها الأولى في غزوها بفكرة الأسواق. عرفت الصين كقوة اقتصادية منذ آلاف السنين، وبالتحديد منذ عرفت خيوط الحرير وأسست طريق الحرير وأنعشت أسواقاً بسبب ذلك المنتج الذي أذهل العالم فصار يباع بمقدار من الذهب الخالص، قيل إن خزينة الصين آنذاك كانت فائضة من الذهب بسبب الاقبال على الحرير الساحر. اليوم لا يزال السوق الصيني ينسج الحرير، وبجانب الحرير قد نافس الكثير من المنتجات التقليدية لأسواق عالمية وابتكر العديد من الصناعات الرائجة. قد يبدو الأمر طبيعياً أن يؤسس لسوق أجنبي في بلد ما، فهناك دول عديدة لديها أسواق دول أخرى على أراضيها، الأمر المعتاد أن هذه الأسواق قد أسس لها مهاجرون مقيمون في البلاد لتلبي احتياجاتهم ومع الزمن كبرت وصارت سوقا كاملة، كالاسواق الهندية والايرانية في بلداننا، ولكن الحدث غير الاعتيادي هو الذي أقدمت عليه الصين، فعلى الرغم من قلة تواجد الصينيين في الخليج أسست الصين سوقا متكاملة على أراضينا، كسوق التنين في دبي والمحرق والسوق الصيني في الرياض. افتتح قبل أشهر سوق التنين بالبحرين ورغم قربه الشديد لمنطقتي إلا أني لم أشعر برغبة في زيارته بعد، ولكن أذهلني جدا أن الكثيرين قد زاروا السوق الأمر الذي لفت انتباهي على الرغم من أنه لم يحظ بتغطية اعلامية كافية، إلا أن الأمر الملاحظ والذي أصاب الناس بإحباط كبير سمعته على لسان كل من زاره من المحيطين بي، هو الأسعار المرتفعة لدرجة لا تتناسب مع السلعة من جهة، والسوق والبلد والوضع الاقتصادي من جهة أخرى، بالذات وأن الكثيرين كانوا يترقبون افتتاح هذا السوق المشابه لسوق التنين بدبي والذي كان الناس يسافرون إليه. قد نختلف حول نجاحه والاقبال الشعبي عليه، إلا أن هذا الانجاز قد حقق للصين نقلة نوعيه فهي اليوم تحتل مساحة مقبولة من أراضينا لتزاحم أسواقنا المحلية، ليس هذا وحسب بل عمدت -على الأقل في البحرين- على بناء سوق التنين بأيد صينية كاملة ومواد بناء صينية واليوم يدير السوق ويبيع فيه الصينيون ولم تستفد منه البحرين سوى الاسم إن ساعد ذلك. أعتقد أنها طريقة مبتكرة لغزو اقتصادي فعال، فمن المعروف أن الصين تغرق الأسواق العالمية بصناعاتها الرخيصة وبالذات تقليدها للمنتجات والماركات العالمية، الاختلاف في هذه الأسواق أنها تركز بجانب ذلك على المنتجات المحلية، ولا عجب فالصين تحتضن قرابة المائة ألف سوق استهلاكية على أرضها، ويصل حجم مبيعاتها السنوية من منتجات التجزئة نحو 4.6 ترليون دولار، في حين بلغت حصة الصين من الصادرات العالمية 13.2 بالمائة حتى العام الماضي.