انتشر فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي لأب يضرب طفله الذي ربما لم يتجاوز السابعة من العمر ضرباً مبرحاً والطفل يبكي ويستعطف «بابا لا تضربني» والأب لا يتوقف عن ضرب الطفل على يديه وقدميه، وفي نفس الفيديو طفل آخر أصغر يرتعد من الخوف ينظر برعب لأبيه وأخيه. أقسم برب الكعبة أحسست بالألم نفسه الذي يشعر به الطفل المعنَّف واخوه في قلبي ولم استطع السيطرة على دموعي!! وما زلت أتألم.. فأين رحمة الآباء والأمهات؟ فهل هذا أب؟ لا أعتقد، لأن الله جعل الرحمة بالأولاد شيئاً مركباً في فطرة الأمهات والآباء. كتبت كثيراً عن العنف ضد الطفولة البريئة التي لا حول لها ولا قوة، واليوم أكتب وسأكتب مراراً، فالعنف لن ينتهي من واقعنا نتيجة للمفاهيم الخاطئة في التربية إلاّ بالعقاب الرادع، فالتربية مسئولة عن كل سلبيات المجتمع ومازلنا نشاهدها كثيرا كدليل على أنها لا تزال في قمتها، وكثيراً ما يتفنن المعنّفون في اختراع أشكال مختلفة من العنف!! . وحتى لا أصف هذا الأب بأي صفة أقول لا أشك انه ربما مريض بالنرجسية وأكثرنا يعرف هذا المرض، فمن صفاته الاضطرابات النفسية والشخصية والافتقار للغاية للتقدير الذاتي فيشعر بالحاجة للتحكم في كيفية نظر الناس إليه حتى أطفاله ويخشى فضح أوجه القصور في شخصيته، هذه الشخصية. تأثيرها كبير على أبنائها فهم أما أن يصبحوا نرجسيين أو تابعين حيث إنهم يتربون في مستنقع هذه التربية السيئة فيخلقون لأنفسهم ذاتاً زائفة ويستخدمون الأساليب العدوانية نفسها التي مورست عليهم للحصول على رغباتهم وبالتالي يتحولون إلى شخصيات نرجسية من الدرجة الأولى، والحساسون منهم يشعرون دائماً بالذنب حائرين حبيسي هذا الكبح التنموي والحرمان لعدم قدرتهم على الانخراط عاطفياً مع آبائهم الذين مروا بمثل هذه النرجسية، تربية متوارثة. هذا بالنسبة للمعنّفين النرجسيين، ولكن هناك أشكالا كثيرة للعنف منها : القصدي أو العمدي للقوة أو السلطة، وقد يترتب على ذلك أذى أو موت أو إصابة نفسية وكلها من تأثير التربية غير المسئولة. العنف بكل أنواعه سلوك غريزي مصحوب بالكراهية وحب التدمير، هدفه تصريف الطاقة العدائية المكبوتة تجاه الآخرين وعدم تقويم التربية لهذا السلوك يتحول لعنف نتيجة للاحباط الشديد لعدم قدرة المعنِّف على التسامي لإعادة ضبط نفسه. ويتسع هذا التعريف للعنف ليشمل جميع أشكال العنف الجسدي والنفسي، كما يتضمن الإهمال المتعمد أو المعاملة السيئة أو الاستغلال الجنسي للأطفال. ويأخذ الأمر منحى أكثر خطورة حين يكون مصدر العنف من القائمين على رعاية الطفل أو المسئولين عنه. فإذا كان السبب الرئيس لعنف المعنِّف وجود تاريخ مرضي نفسي أو كان لظروف اجتماعية كالفقر أو عوامل وراثية، أو جينية طبيعية، أو بسبب عوامل مكتسبة؛ كالجهل الثقافي وغياب الوعي الديني بمهمة الوالدين ومسؤوليتهما بتطبيق التكليف الشرعي والأكثر حدوثاً ما كان سببه الخلافات الزوجية والتفكك الأسري هنا وجب على المجتمع بكل فئاته وتخصصاته العمل كفريق واحد للقضاء على هذه الظاهرة. بالمناسبة أريد أن أذكر وأشير للمرسوم الملكي الكريم الصادر رقم: م / 14 وتاريخ : 3 / 2 / 1436ه بخصوص حماية الطفل - رحم الله أبا متعب وأسكنه فسيح جناته- المرسوم ينص على حماية الأطفال الذين لم يتجاوزوا الثامنة عشرة من الإيذاء بكل أشكال الإيذاء والإساءة كالاستغلال والتهديد بذلك ومنها الإساءة الجسدية والإساءة النفسية وسوء التعامل الذي قد يسبب له أضرارًا نفسية أو صحية وكذلك الإساءة الجنسية. وأيضا الإهمال بعدم توفير حاجات الطفل الأساسية أو التقصير فيها جسدية، وصحية، وعاطفية، ونفسية، وتربوية، وتعليمية، وفكرية، واجتماعية، وثقافية، وأمنية. كما حدد المرسوم الملكي الجهات ذات العلاقة بحماية الطفل والتأكيد على ما قررته الشريعة الإسلامية، والأنظمة والاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفًا فيها والتي تحفظ حقوق الطفل وتحميه من كل أشكال الإيذاء والإهمال. المرسوم شامل لحفظ حقوق الطفل المواطن والمقيم معاً. نحن بخير طالما نطبق هذا المرسوم الملكي، وما يُشاهد في وسائل التواصل الاجتماعي من تعذيب الأطفال فأصحابه شواذ المجتمع ويستحقون أشد العقاب.