انتهى معرض الكتاب، وانتهت الصور «الأمل» التي فاجأت الغالبية من موقف المجتمع باختلاف شرائحه وأعماره نحو الكتاب، تلك التي يقف بها الناس في طوابير طويلة بانتظار دخول المعرض، مشتملةً حتى على الأطفال الذين برزوا في هذه الفعالية. ولا يشك أحدٌ بأنَّ المناسبة ثقافية بامتياز، لكن كان ينبغي حمايتها من التحول إلى سوق تجاري لا يحمي المستهلك؛ لعدة أسباب من أهمها وعلى رأسها الثقافة نفسها؛ فالكتاب يدخل عهدا جديدا من الاستعمال الورقي إلى التقني، وعدد الكتب والملفات المقروءة بأكثر من صيغة على الشبكة في انهمار، وبرامج الكتب نفسها في ازدياد ما بين ضغط وتصوير وسهولة في الاستخدام، تتيح لأي شخص تحويل كتابه الورقي إلى كتاب تقني يشارك فيه آلاف الناس في كل مكان من خلال هاتفه. لقد وجب حماية مئات الآلاف من المواطنين بالكتاب المنخفض سعرا، في مناسبةٍ نظّمتها الدولة وأعلنت عنها وشجعتها من جهة، ومن جهةٍ أخرى لكسب شرائح أكبر وأعداد أكثر عبر تخفيض الكتب لا رفع أسعارها للضعف والضعفين في وقتٍ بدأ يتخلى فيه العالم عن الكتاب الورقي، وعلى رأسه جهات إعلامية عريقة كالصحف الأجنبية التي بدأت العهد الجديد مع إيقاف الطباعة بشكل فعلي كالإندبندنت. ومن ناحية أخرى؛ فإن هذه الكتب الباهظة هي في الأصل منخفضة السعر بشكل واضح في بعض الدول، وبعضها متوفر في المكتبات التجارية داخل الوطن، وهذا يطرح الثقة لدى الزوار في معارض الكتاب التي ستُعقد مستقبلا. يقول أحدهم وهو قارئ ذكي ونهم: أنا أتابع أخبار معارض الكتاب ونفائسه لأبحث عن الكتاب المميز بنسخته الإلكترونية، وإن لم أجده فإنني أبتاعه! ويقول آخر: ذهبتُ إلى المعرض ومررتُ بدار كنتُ أتعامل معها في مصر، فأشار لي البائع "الذي يعرفه جيدا" بأن اذهب نظرا لارتفاع سعر الكتاب فيها بما يفوق 35 مرة أو أكثر! فما كان يأخذه بجنيه وجنيهين من تلك الدار؛ موجود هنا ب 35 - 50 ريالا! هذه النصائح من روّاد مشهورين في الثقافة والإطلاع ومقربين من الجماهير، وهي محبِطة ومنفِّرة لأي متلهِّفٍ لمعارض الكتب، إضافةً إلى شريحة كبيرة أخرى من القراء الجادين والمشهورين في مواقع التواصل الاجتماعي ممن تناولوا المعرض بتعليقات لاذعة، من خلال مفارقته المتمثلة في حفلات توقيعِ عددٍ هائلٍ من الكتب "التجارية"، وتصوير أجزاء منها للتندر بأصحابها وموادِّهم المنخفضة الفائدة والإبداع، ولا تفوتهم أيضا السخرية بالواقفين لساعات من أجل الحصول على توقيع لكتاب تجاري! وبما أن هذه المناسبة الثقافية "حكومية" وترعاها وزارة الثقافة والإعلام؛ ألا تحتاج لعناية ومراجعة؛ كي لا تخسر جمهورها؟