عنوان المقال هو عبارة اعتادت إحدى شهيرات (السوشال ميديا) أن تقولها من حين لآخر، تقولها من باب السخرية على بعض من يتعاملن مع متابعيهن ومعجبيهن بشيء من التعالي والغرور والرغبة المحمومة في البروز بأي طريقة كانت. خطرت لي عبارتها عندما رأيت تعليق أحدهم على الازدحام الذي سببه وجود وزير التعليم السابق د. عزام الدخيل في معرض الكتاب لتوقيع كتابه؛ كان التعليق يقول: سبحان من جعل له هذا القبول! والحقيقة أن هذا التجمهر ليس مرتبطاً بالشخص الذي يتجمهر الناس من حوله، بل بالناس أنفسهم وفهمهم لمعنى الشهرة وطبيعة دور ذلك الشخص - أياً كان - في الحياة. فقد يكون ذلك المشهور وزيراً سابقاً، أو مذيعاً، أو مطرباً، أو طاهياً، أو مجرد معلن يؤدي دوراً ثابتاً لتسويق بعض المنتجات، وفي الوقت نفسه يصور جوانب معينة من حياته وتصرفاته في بعض التفاصيل اليومية له. أين أكل، وماذا شرب، ومن قابل، وماذا لبس. لقد صار الناس يلهثون لرؤية ذلك الشخص المشهور والوقوف بجانبه عن قرب والتصوير معه، وكأنهم بتلك الوقفة قد حازوا على الدنيا بما فيها!! وهذا ما لم أفهمه بل وأعجز عن فهمه، فما الهدف من ذلك؟ كنت أحسب أن هذا التصرف يفعله الأطفال فقط؛ عندما يفرحون برؤية لاعب بارز أو مطرب يفضلونه ولا يرونه إلا على شاشات التلفزيون فيفرحون به. اليوم صار البعض يهينون أنفسهم ويرفعون أصواتهم بالصراخ الذي صار يفهم على أنه إعجاب ويتزاحمون لكي يحظوا بلقطة سلفي مع فلان أو علان. الشخص الذي يستميت للحضور في مكان يتواجد فيه مشهور ما؛ من أجل التقاط صورة، لا يريد ذلك المشهور بقدر رغبته في عرض صورته مع المشهور!! هذا الجانب هو ما لم يفهمه بعض المشاهير، فصاروا يكثرون الحديث عن محبة الناس لهم، وتهافت الناس عليهم، ويظنون أنه صدق! والحكاية كلها تتلخص في (صورة مع مشهور أو مشهورة)، ولكن الحال ليس واحداً عند الجميع، فهناك حالات يصل فيها الأمر إلى حد الهوس والضرر على الطرفين، والمتضرر الأكبر هو المشهور نفسه؛ عندما ينتفخ ويتورم بهوس حب الناس، ويتخيل أن قلة قليلة منهم هم الذين لا يحبونه؛ لأنهم يحسدونه ويشعرون بالغيرة منه. ولا يفكر مطلقاً في أن كثيراً من العقلاء لا يريدون منه إلا ما يقدمه من فن أو غيره من الأعمال التي لها قبول لديهم. ولكنهم لا يريدون التصوير معه، ولا محاولة الوصول للمسة من يده، أو كلمه خاصة منه لهم. ولا يجندون أنفسهم للدفاع عنه بطريقة شتم أعدائه في كل مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت لساحات حرب كلامية وقحة تزيد من سخافة الأمر، وترويج مفاهيم سيئة كثيرة عند صغار السن أو الكبار السطحيين الذين لم يجدوا ما يشغلون به أنفسهم، فوجودوا تلك الساحات تمد ذراعيها إليهم فينساقون لها بمنتهى الغباء! ولكن، أين يكمن الضرر الأكثر وممن ينبعث؟ إنه وللأسف صار يصدر من قنوات إعلامية ذات حضور قوي وتأثير مستمر، صارت تقوم بدور من ينفخ على النار؛ ليذكيها ويزيد اشتعالها؛ وأعني نار السخافة والسطحية التي يتطاير شررها بين الناس، وهي نار قد تجد من يطفئها سريعاً، وقد لا تجد فيستمر تسويق (الهبل) لدرجة صرنا نخاف منها على الناس. برنامج أحلام الذي توقف بعد عرض حلقته الأولى نموذج لكل ما تحدثت عنه في السابق. وهو بالمقابل نموذج يجب على كل مشهور أن يدرك -من بعده- أنه بقدر ما يرى من -التافهين- الذين ينتظرون طلته ليصرخوا ويغمى عليهم من الفرح، فهناك أعداد وأعداد ممن يتصفون بالوعي الذي يشكل ضغطاً جماهيرياً كبيراً ليوقفوا بعض المهازل. وما زال هناك برامج أخرى تستحق أن توقف؛ لأنها مؤذية للعقول بالدرجة الأولى، ومن ثم هي مؤذية للأوقات وللمال وللجهد، ومنها برامج صار يقدمها بعض من اشتهروا بالاستعباط؛ من أجل الإضحاك كمحمد سعد الذي روج (للهبل) بطريقة مزرية، وهذا النموذج ما كان ليستمر لولا أن الأجهزة الإعلامية مكنته من ذلك وفرشت له الأرض بالورد؛ ليحقق غاياته المادية والجسدية. لقد كان المقطع الذي انتشر من برنامجه مع هيفاء وهبي يتضمن مشهداً مقززاً وهو يضع قطعة الخبز على جسدها ثم يلتهمها بكل قبح وما تبعه من ايحاءات ما كانت لتعرض إلا في فيلم رديء!! ومع هذا وصل هذا المقطع لكل من يحمل في يده جهازاً ذكياً صغيرهم قبل كبيرهم. وهنا يكمن الخطر أن تحاول بعض القنوات التلفزيونية -التي تعتبر عائلية يجتمع أمامها أفراد الأسرة على اختلاف أعمارهم لمشاهدة برامج عادية- المروج لهذه الأمور المقززة. إن الشهرة كذبة كبرى، لا يحسن التعامل معها كل المشاهير، وبخاصة أولئك الذين لا يعرفون كيف ولماذا اشتهروا، أو أولئك الذين لا يتصفون بثقة صحية بالنفس، نعم، فهناك ثقة بالنفس تعد صورة خارجية تناقض ما يشعر به المرء في نفسه من نقص ومهانة وتشوه، مهما توافرت له كل أسباب التجميل الخارجي. اليوم وفي ظل هذا التسارع في عملية التأثير والتأثر نحتاج لكثير من العقل وكثير من الوعي الإعلامي؛ للحد من إلحاق الضرر بالمجتمعات.