اقتحمت الطباعة ثلاثية الأبعاد التقنيات المتطورة في مجال الطاقة المتجددة واستخداماتها، حيث تمثل بزوغ ثورة صناعية قادمة، بعد دخولها في الكثير من الصناعات لتوليد منتجات نهائية ومفيدة للكثير من القطاعات الصناعية والطبية وخلافه. ولم تعد هذه الطباعة، محصورة في استخداماتها على عمل النماذج التصميمية من مواد محدودة كالبلاستيك، حيث وصلت إلى إنتاج محرك نفاث للطائرات التجارية أطلقت عليه (LEAP)، واستخدمت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في طباعة أجزاء كثيرة منه، من ضمن هذه الأجزاء حاقنات الوقود. ونتيجة لذلك ازدادت كفاءة استهلاك الوقود في المحرك النفاث بما يعادل 15 بالمائة عن سابقه، وانخفض وزن المحرك مئات الباوندات عن المحرك السابق، بالإضافة إلى انخفاض انبعاثات أكسيد النيتروجين الملوثة للبيئة بما يعادل 50 بالمائة، إضافة إلى استخدامها في طباعة أكبر لوح شمسي في العالم في جامعة ملبورن بأستراليا وبهذه التقنية يمكن التخلص من المصانع التقليدية الضخمة والتي تستنزف الكثير من الموارد البشرية والطاقات وتمكننا من التحول إلى منشآت صناعية صغيرة فاعلة وأكثر إبداعية الثورة الصناعية القادمة يقول ل "اليوم" الأستاذ المساعد بقسم الهندسة الميكانيكية في كلية الهندسة والعمارة الإسلامية بجامعة أم القرى، والمهتم بالطباعة ثلاثية الأبعاد واستخداماتها الطبية، الدكتور أحمد علي با صلاح: "الطباعة ثلاثية الأبعاد، أو كما يطلق عليها علمياً التصنيع بالإضافة Additive Manufacturing هي عملية لتكوين المنتج بإضافة المادة بشكل طبقي بناء على البيانات الرقمية للنموذج الثلاثي الأبعاد للمنتج المستهدف إنتاجه". وأضاف: "هي بعكس طرق التصنيع التقليدية والمعتمدة بالأساس على القطع والقص للمادة حتى الوصول للمنتج النهائي، حيث تمثل الطباعة الثلاثية الأبعاد بزوغا لثورة صناعية قادمة لفتت الأنظار وجذبت اهتمام الكثير حول العالم من باحثين صناعيين وصانعي القرار وسياسيين ومن ضمنهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي تحدث عنها بكل صراحة ووضوح في عام 2013 في خطابه السنوي أمام الكونجرس واعتبرها الثورة الصناعية القادمة". واسترسل با صلاح: "على الرغم من أن هذه التقنية متواجدة منذ ثلاثين سنة مضت، وليست وليدة اللحظة، فإنها لم تجذب الاهتمام لها إلا خلال الخمس سنوات الماضية، ويرجع ذلك لعدة أسباب؛ منها قلة الكفاءة، صعوبة الوصول لها وتكلفتها العالية، أما الآن فقد أصبحت منافسة اقتصاديا مع التطور السريع في طرق التصنيع، إضافة إلى انتهاء صلاحية الكثير من براءات الاختراع التي كانت تحميها وتحد من انتشارها. وأوضح أنه في دراسة صادرة من مؤسسة مورجان ستانلي المالية أظهرت زيادة مضطردة في حجم مبيعات سوق الطابعات الثلاثية الأبعاد خلال خمس السنوات الماضية، حيث أشارت إلى زيادة سنوية بما يقدر ب 30 بالمائة، حيث وصلت في العام الماضي إلى 4مليارات دولار، ومن المتوقع أن تصل في عام 2020 إلى ما يقارب ال 11 مليار دولار ". أول طابعة ثلاثية الأبعاد وأضاف "باصلاح": " في العام 1986م اخترع الأمريكي "شارلز هل" أول طابعة ثلاثية أبعاد سميت ب Stereolithography Printer والتي تعمل بتقسية البوليمر السائل والذي يتفاعل مع الأشعة باستخدام الأشعة الفوق البنفسجية بمعالجة طبقة بالأشعة تليها طبقة حتى بناء كامل النموذج، وفي العام 1988م ابتكر المخترع الأمريكي سكوت كرامب أثناء صنعه ضفدعا لطفلته باستخدام مسدس الغراء أشهر طرق الطباعة الثلاثية الأبعاد وهي Fused Deposition Modeling والتي تستخدمها معظم الطابعات البلاستيكية في الأسواق. وأبان: تعمل هذه الطريقة على صهر البلاستيك واستخدام مصهوره لبناء النموذج بشكل طبقي بدأ من أسفل النموذج حتى آخر طبقة بالأعلى واكتماله، وفي عام 1993م طورت مجموعة بحثية من معهد ماسشوستس للتكنولوجيا أول طابعة ثلاثية أبعاد تطبع الجبس ويمكن استخدامها لطباعة السيراميك، حيث إن مادة التغذية لهذه الطابعة هي عبارة عن بودرة. وزاد، أما في العام 1996م فقد طورت معامل لاس الاموس بالولايات المتحدةالأمريكية تقنيتين وهما Selective Laser Sintering و Laser Consolidation لطباعة أجزاء معدنية، حيث تستخدم هذه التقنيات الليزر لتلبيد جزيئات المعدن من البودرة المعدنية وبناء المنتج أيضاً بشكل طبقي. وفي عام 2007م أنتجت عملاقة الطابعات الثلاثية الأبعاد شركة Stratasys الأمريكية طابعة أطلق عليها Polyjet تعمل بنفث ذرات البوليمر بنفس النظام الطبقي ويمكنها طباعة منتج يتكون من بوليمرات متعددة ذي كثافات مختلفة للمادة؛ الصلبة والرخوة والمتوسطة. وواصل الدكتور با صلاح حديثه، وفي عام 2013 قامت شركة بريطانية Mcor بإنتاج طابعة تستخدم الأوراق المكتبية كمادة لتغذية عملية الطباعة، حيث يمكنها طباعة المجسمات الثلاثية الأبعاد بألوان مختلفة باستخدام أوراق من مقاس A4. محرك للطائرات ب «الطباعة الثلاثية» وتابع "باصلاح": "وهذا التنوع في التقنيات والمواد الممكن طباعتها باستخدام الطابعات الثلاثية الأبعاد ميزها بإمكانية استخدامها في أي تطبيق مما يسهل من عملية تطوير المنتجات من دون الحاجة لاستخدام القوالب والطرق التقليدية المتبعة لإنتاج المنتج. وأبان، أما المقياس الذي يمكن التصنيع به باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد فهو مقياس واسع جداً يبدأ من مقياس النانو مثل تقنية ال 2 Photon Polimerization التي يمكنها الطباعة بدقة تصل إلى 100 نانو متر، وفي الطرف الآخر يمكن لتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بناء مبان كما تم عمله في الصين العام الماضي من قبل شركة WinSun " . واسترسل "باصلاح": "في العقد الماضي، كانت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد محصورة في استخداماتها على عمل النماذج التصميمية من مواد محدودة كالبلاستيك، ولكن مع تطور هذه التقنية أصبحت تستخدم لإنتاج منتجات نهائية ومفيدة للكثير من القطاعات الصناعية والطبية. واستشهد في حديثه، وعلى سبيل المثال أنتجت شركة جنرال إلكتريك محركا نفاثا للطائرات التجارية أطلقت عليه (LEAP) استخدمت تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد في طباعة أجزاء كثيرة منه، من هذه الأجزاء حاقنات الوقود. وأكد أنه نتيجة لذلك ازدادت كفاءة استهلاك الوقود في المحرك النفاث بما يعادل ال 15 بالمائة عن سابقه، وانخفض وزن المحرك مئات الباوندات عن المحرك السابق بالإضافة إلى انخفاض انبعاثات أكسيد النيتروجين الملوثة للبيئة بما يعادل ال 50 بالمائة. أما شركة رولز رويس والمعروفة بصناعة محركات الطائرات النفاثة، فقد أطلقت في نوفمبر الماضي محرك نفاث أطلقت عليه (Trent XWB-97) يعتبر أقوى محرك صنعته الشركة منذ نشأتها، احتوى المحرك على زعانف توربينية مطبوعة باستخدام تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد. وأكد أنه قد تقلص الوقت اللازم لإنتاجها إلى ثلث الوقت الذي كانت تنتج به بالطرق التقليدية، هذا المحرك مصمم ليتم تركيبه على طائرات الإيرباص A350-1000 والتي من المتوقع أن تكون في الخدمة العام القادم 2017م. طرق لتقليل الأثر البيئي وأشار الدكتور با صلاح إلى أن رولز رويس تقود برنامجا في الاتحاد الأوروبي يضم عددا من الشركات الكبرى يطلق عليه ( MERLIN )، والذي يهدف للتقليل من الأثر البيئي والناتج من شركات النقل الجوي بالاستفادة من تقنيات التصنيع، بالإضافة الى تصنيع محركات الطائرات النفاثة، ويتم هذا التقليل عن طريق تطوير طرق جديدة للاستفادة الكاملة والفعالة من المواد في التصنيع للتخلص من فائض المواد والناتج من العمليات التصنيعية المختلفة. وبين أن استخدام الطرق التقليدية للتصنيع لإنتاج طن واحد من المحرك يستلزم ستة أطنان من المعدن، بينما يهدف هذا البرنامج للاستفادة من طرق التصنيع بالإضافة لإنتاج الطن الواحد من المحرك باستفادة تكاد تصل إلى 100 بالمائة من المعدن المستخدم في التصنيع. ونظراً لأن هذه التقنية تتميز بإمكانية التحكم بكثافة المادة المراد منها تصنيع المنتج، وعليه، فإن هذه الخاصية تمكن من تقليل وزن أجزاء الطائرة مما يعود بالنفع بالدرجة الأولى إلى تقليل كمية الوقود اللازمة للطيران ورفع كفاءتها. واسترسل إضافة إلى أن كبرى شركات الأسلحة في العالم وهي اللوكهيد مارتن وجدت أن تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد توفر 43 بالمائة في الوقت اللازم للإنتاج، إضافة إلى أنها قلصت تكاليف الإنتاج بما يعادل ال 48 بالمائة مقارنة بالطرق التقليدية في التصنيع، وكل هذه المعطيات تشير إلى تفوق واضح من قبل تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد مما حدا بالصناعة للتحول التدريجي إليها " . وزاد "باصلاح": "فيما يختص بالطاقة المتجددة، فقد استخدمت تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد في طباعة اكبر لوح شمسي في العالم في جامعة ملبورن بأستراليا ويمكن للطابعة أيضا الطباعة على البلاستيك والمعدن والهدف المرجو من ذلك هو الطباعة على أسطح المباني والألواح الزجاجية في المباني ذات الواجهات الزجاجية. أما في الصناعات الطبية، فمما يميز تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد خاصية التخصيص للمنتج ( Customization ) والمفيدة جداً للجراحين لعمل نماذج لأجزاء من جسم الإنسان المراد إجراء العمليات عليها والتخطيط المناسب للعملية الجراحية كما في عمليات فصل التوأم السياميينز. وإضافة إلى ذلك استخدمت في إنتاج أجهزة تعويضية مخصصة للمريض نفسه بناء على حاجته كالأطراف الصناعية، وأيضاً استخدمت بشكل كبير في الأجهزة السنية والتعويضية للأسنان والفك، أما التطبيق الأعقد الذي استخدمت فيه هذه التقنية فهو في إنتاج سقالات للأنسجة الحيوية مما يمهد لطباعة أعضاء بشرية كاملة فيما يعرف بعلم هندسة الأنسجة ( Tissue Engineering ) ". التخلص من المصانع التقليدية وقال "با صلاح": "التوجه المستقبلي للتصنيع يتجه نحو التصنيع على حسب الحاجة ( Manufacturing on demand )، فبالطباعة ثلاثية الأبعاد يمكننا التخلص من المصانع التقليدية الضخمة والتي تستنزف الكثير من الموارد البشرية والطاقات وتمكننا من التحول إلى منشآت صناعية صغيرة فاعلة أكثر إبداعية". وأبان الدكتور با صلاح أنه، تعزيزاً لهذا التوجه فقد أنشئت على الشبكة العنكبوتية خلال الثلاث سنوات الماضية عدة منصات إلكترونية تجمع مزودي خدمة الطباعة ثلاثية الأبعاد مع المستخدمين. وزاد بقوله: "مثالاً على ذلك شركة هولندية وهي 3D hubs حيث كانت تضم عند افتتاحها في شهر أغسطس 2013 حوالي 500 من مزودي الخدمة وارتفع العدد بعد شهرين ليصبح 1000مزود للخدمة وبعد تسعة أشهر أصبح العدد5000 مزود للخدمة". أما اليوم فإنها تضم ما يقارب ال 30000 من مزودي الخدمة حول العالم، وهؤلاء هم عبارة عن أي فرد أو مؤسسة يمتلك طابعة ثلاثية أبعاد من أي نوع يمكنه التسجيل مع هذه المنصات الإلكترونية ليصبح مزودا للخدمة مما يمكنه أن يطبع ويبيع لجميع أنحاء العالم. وختم حديثه بقوله: "في الطرف الآخر هناك المستخدم والذي يستطيع رفع ملف يحتوي على الرسم الثلاثي الأبعاد للمنتج الذي يريد طباعته في هذه المنصات الإلكترونية ومن ثم يختار المادة المراد التصنيع بها سواءً من البلاستيك، معدن، سيراميك....الخ. وبعد ذلك يختار مزود الخدمة الذي يريد والمدة وطريقة التوصيل وخلال أيام معدودة يستطيع استلام المنتج من ساعي البريد " . حاقنات الوقود المطبوعة بالطابعات ثلاثية الأبعاد تقنيات عالية في الطابعات ثلاثية الأبعاد تجهيز تقنية الطابعات بعض استخدامات الطابعات ثلاثية الأبعاد