بين الله سبحانه وتعالى صورة الأمر بالمعروف في العديد من الآيات الدالة على الخير والمحذرة من الشر رأفة ولطفاً من الله سبحانه وتعالى بعباده ولعل أقرب صورة مشرقة رصدها القرآن وقدمها للمؤمنين مثالاً يحتذى به هي تلك الصورة التي جرى سرد بعضها في قصة الرجل الذي من أقصى المدينة يسعى في سورة (يس) في قوله تعالى واصفاً حال أصحاب القرية التي جاءها المرسلون إليهم من رب العباد في قوله تعالى «واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون» هكذا رفضوا دعوة الحق وكذبوا الرسل، وهددوهم ولم يكن لدى الرسل ما يواجهون به أولئك الكفرة إلا الاعتصام بالله سبحانه وتعالى «ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين» نعم هذه رسالتنا إليكم أبلغناكم إياها بصدق وإخلاص ومحبة بشهادة ربنا سبحانه وتعالى وعلمه وتأييده ومناصرته لنا على هدايتكم وإنقاذكم مما أنتم سادرون فيه من الغي والطغيان، إلا أن الغرور والتمسك بالباطل واتباع الهوى أصم آذانهم عن الحق فلجأوا إلى تهديد الرسل «إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم» فرد عليهم الرسل المكلفون بتبليغ الرسالة «طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون» لأن مقاومتكم للحق، والعمى عن سبيل الرشاد ما هي نتائج للإسراف في سلوك الباطل والتمسك به غروراً وحفاظاً على تحقيق مطامعكم الدنيوية لأن ابطال معتقداتكم وتسفيه أحلامكم الخاضعة لدعوة الشيطان سيفقدكم سمعتكم وصيتكم ويقطع عنكم تلك المكاسب المادية التي تجبونها بغير حق وفي وسط هذا الجدل بين الرسل ودعاة الباطل «جاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون» لقد بين لكم هذا المؤمن أن هؤلاء الرسل لا يريدون منكم أي مقابل لدعوتكم وإنما يريدون لكم الهداية ولم يكتف بحثهم على اتباع دعوة الحق بل ضرب لهم مثلاً على نفسه «ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون» تساؤل إنكاري لا يقبله منطق ولا عقل ثم يتساءل عن الذي انكب على عبادته أولئك القوم المصرون على الكفر والضلال: «أأتخذ من دونه آلهة، إن يردني الرحمن بضر لا تغني عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين» وبعد أن بين لهم ضلالهم وتيههم وفساد معتقداتهم عزم أمره وأباح سره «إني آمنت بربكم فاسمعون» وهكذا صرح بايمانه دون خوف أو حساب للعاقبة التي تنتظره على أيدي أولئك الكفرة المنكرين للرسالة وتهديدهم ودون مبالاة بما يلحقه من الأذى في الدنيا لأنه رغب في أجر الآخرة «قيل ادخل الجنة» وكانت الكرامة التي لقيها من ربه هي غاية المراد ونهاية الرغبة ومحط الأمل الذي تحقق بفضل دعوة الحق والأمر بالمعروف ورغم ما لقيه من قومه من أذى وعذاب تمنى لهم الاطلاع على ما لحقه من الكرامة حتى يحذوا حذوه.