ما الذي يمكن أن يكون أكثر مقاومة للتغير من صلابة الصخرة؟ فبالرغم من أنها الأكثر كثافة وتماسكا في الجزيئات إلا أن بعضها يرضخ لتحول تقدمي في بنية جزيئاته بسبب ارتفاع الضغط والحرارة، فتنتج عنه كريستالات متوهجة شفافة تجاه الضوء. وماذا عن بريق الألماس الذي لا يضاهي روعته شيء؟ انه نتيجة حالة تحول ثوري لجزيئات الكربون تحت ظروف هائلة، كشأن بقية الأحجار الكريمة الفاتنة الروعة. انها شواهد قوية لحالات من التفتح الجذري العميق الذي يتحدى قوة الجاذبية المادية ويسمو فوق الشكل والواقع لمستوى أعلى وأجمل. ألا يلهمنا ما سبق أن نتساءل عما يمكن فعله لإحداث مثل هذا التحول في النفس البشرية؟ وهل يحفزنا ذلك للبحث عن منطلقات تكون الوعي الجديد وتحلل الوعي القديم؟ إنها رحلة تنوير لإدراك بعد ذاتي أرحب، تستلزم المرور بتجربة انعتاق تبدأ من (الأنا) أكثر الكلمات تضليلا، حيث يجسد هذا الضمير المتكلم الخطأ الأكبر باختزاله فهمًا خاطئا للكينونة وإحساسا متوهما بالهوية. يكمن خداع الأنا في ميلها إلى المساواة بين الملكية والكينونة؛ أنا أمتلك إذن أنا موجود، وكلما زاد ما أمتلكه زادت أناي أكثر، فالأنا تحيا على المقارنة، حيث تصبح الكيفية التي يراك فيها الآخرون هي مرآة رؤيتك عن نفسك، وإحساسك بالقيمة الذاتية مرتبط بالقيمة التي لديك في عيون الآخرين، فإذا كان الجميع ثريا فلن تصبح ثروتك مهمة في تعزيز إحساسك بذاتك، ويمكنك حينها ان تنتقل لكوخ صغير لتستعيد أناك تضخمها برؤيتك لنفسك أكثر روحانية من الآخرين. تتماهى الأنا مع الامتلاك، لكن شعورها بالإشباع بعد التملك سريع الزوال، ويظل مكتنفا بصورة خفية بعدم الرضا واللا اكتمال، ولهذا فإن التملك هو وهم تخلقه الأنا لكي تجعل نفسها أكثر بروزا وخصوصية، وينطوي تحته دافع أكثر انسجاما مع شراهة الأنا وهو التطلب والشعور بعدم الاكتفاء. وليس القلق والاضطراب والضجر والامتعاض الا نتائج التطلب الذي لا يتحقق، فليس مهما ماذا تملك أو علام تحصل، فستظل تبحث عن شيء آخر يعدك بإشباع أكبر ويكمل إحساسك الناقص ويملأ ذلك الشعور الداخلي بالحرمان. لا تستطيع أن تجعل هدفك المستقبلي هو بلوغ حالة انعدام الأنا، فكل ما ستجنيه هو المزيد من الصراع الداخلي، ولكن قرارك باللا مقاومة والتواجد في اللحظة الراهنة هو نهاية الأنا، فالأنا لا يمكنها التناغم مع هذه اللحظة، لأن طبيعتها تجبرها على الحط من شأن الآن، فالزمن هو ما تقتات عليه، وكلما ازدادت قوة الأنا هيمن الزمن على حياتك، فكل فكرة تفكرها تقريبا تصبح متعلقة بالماضي من أجل هويتك أو بالمستقبل من أجل زيادة الإشباع، ولن تكون ابدا بالكامل هنا لأنك مشغول دوما بمحاولة الوصول لمكان آخر. يبدأ التحول التنويري للنفس بتكرار هذا السؤال دوما؛ ما علاقتي باللحظة الراهنة؟ هل أعاملها كوسيلة لبلوغ غاية ما؟ هل أراها كعائق؟ فاللحظة الراهنة هي كل ما لديك، وبما أن الآن هو الحياة، فما يعنيه السؤال حقا هو؛ ما علاقتك بالحياة؟ وهذه هي الطريقة الأقوى لإزالة قناع الأنا ولبلوغك أعلى حالات التحول التنويري المسماة "الحضور"، حيث تتغلب على تشظي الأنا بين الأشكال والأزمنة، وتصبح واعيا بفضاء الآن، وحينها تستشعر فرح الكينونة.