هولندا اليوم من أكثر دول أوروبا كثافةً سكانية نظراً لندرة الأراضي فيها، ويقدر عدد سكانها بقرابة 17 مليون نسمة. ولذلك يتم استغلال جميع الأراضي ولعل أفضل دلالة على ذلك أن الريف يبدأ مباشرة بعد حدود أمستردام العمرانية، بخلاف المدن الكبرى في الدول الأخرى حيث يتلاشى العمران تدريجياً. وهذا لأن 26% من أراضي هولندا منخفضة عن سطح البحر و55% معرضة للغرق أثناء الفيضانات، ويعيش أكثر من 60% من الهولنديين على مستوى أقل من 5 أمتار فوق مستوى سطح البحر. ولذلك طور الهولنديون طرقاً مختلفة لتوسيع رقعتهم وحمايتها من الفيضانات، وشملت تطوير السدود والردوم والدفن والحواجز والقنوات، إضافة إلى أشهر مبانيهم بالنسبة للسياح ألا وهي طواحين الهواء الشهيرة. كان في هولندا يوماً ما أكثر من عشرة آلاف طاحونة هواء، للاستفادة من طاقة الرياح القوية في أراضيهم. وكان معظم هذه الطواحين يستخدم كمضخات للمياه لشفط المياه من المستنقعات واستصلاحها للبناء أو الزراعة. ولطبيعة هذه الأراضي طور الهولنديون الأحذية الخشبية الشهيرة "القبقاب" (clog) لمقاومتها المياه، وما زالت تستخدم بأنواع مختلفة إلى اليوم لعمليتها. وكانت الطواحين الهوائية تستخدم لأغراض صناعية أخرى كذلك من طحن الحبوب وإنتاج الزيوت وغيرها، الأمر الذي مكن هذه الدولة الأوروبية الصغيرة أن تصبح قوة صناعية عظمى قبل 400 عام في عصر ما قبل الثورة الصناعية. وزالت معظم هذه الطواحين اليوم باستثناء حوالي 1000 طاحونة يتم اليوم المحافظة عليها كجزء من التراث، وتم تحويل بعضها إلى مساكن بشرط أن يحرص قاطنوها على صيانة مراوحها. وأشهرها الطواحين الملونة في قرية زانس سخانس خارج أمستردام، وطواحين كيندردايك القريبة من روتردام. وبدأت الطواحين الجديدة في أخذ محلها، وهي التي تولد الطاقة الكهربائية؛ لكن مع انتشارها الواضح والمشاهد فإنها لا تولد إلا قرابة 4~7% من احتياجاتها. والسبب في ذلك هو احتياج توليد الطاقة المتجددة إلى مساحات واسعة من الأراضي، وهو ما لا يتوفر في هولندا. ما زالت هولندا تعاني من مشكلة المياه، لكنها بعكس غيرها من الدول لا تعاني من ندرة المياه الحلوة، وإنما من وفرتها! ولذلك تفرض الحكومة ضريبة المياه والتي تستخدم للمحافظة على المستوى المناسب من المياه الجوفية. ولأهمية موضوع المياه يدرس في الجامعات الهولندية كتخصص مستقل. وقبل تولي ملكهم الحالي ويليم ألكسندر الحكم في عام 2013م عمل رئيساً للجنتين استشاريتين في هذا الموضوع للحكومة الهولندية والأمم المتحدة. وقامت هولندا حديثاً بمجموعة مشاربع ضخمة ورائدة هندسياً باسم أعمال زويدرزي (Zuiderzee Works) وأعمال الدلتا (Delta Works)، وأحد أبرز إنجازاتها التي شاهدتها تحويل مساحة 1100كم2 إلى بحيرة مياه عذبة تسمى آيسل (IJsselmeer). من أوضح مظاهر إدارة المياه هي بالطبع القنوات الشهيرة في أمستردام وغيرها من المدن الهولندية. والتي تسهل حركة نقل البضائع في المدن، إضافة إلى حمايتها من الفيضانات. ونظراً لقلة الأراضي فإن الكثيرين يعيشون في قوارب ترسو في هذه القنوات، إضافة إلى الحلول السكنية المبتكرة مثل بيوت المكعبات في روتردام. وفي أمستردام يوجد في أعلى معظم البيوت إلى اليوم رافعات حديدية ممتدة من أسقفها، حيث كانت تستخدم لنقل البضائع من القوارب؛ أما اليوم فتستخدم لإدخال الأجهزة والأثاث إلى الأدوار العليا لضيق الدرج عادةً في هذه المباني القديمة. وتنتشر الجسور بشكل كبير، والتي يفتح العديد منها لعبور السفن والقوارب؛ والجسر المفتوح هو أكثر عذر هولندي استخداماً عند التأخر عن المواعيد!.