عندما نتحدث عن الغل فماذا نعني؟ فهذه الكلمة تحمل أكثر من معنى، وقد ذكرها العرب في حالة العطش الشديد فقالوا الماء يشفي الغليل، والغليل من الغل، كما قيلت عن القيود، في الرقبة أو اليدين، فقالوا مغلول اليدين إذا كان مقيد اليدين، لكن المعنى السائد هو كما ورد في لسان العرب (الغل بالكسر: هو الغش والعداوة والضغينة والحقد والحسد) وكلها معان لا تبتعد كثيرا عن معاني الغل الأخرى، لأنها في حالتي العطش والقيد تعني شدة الأمر وقسوته، وهذا مرادف لما ذكر من الغش والعداوة والضغينة والحقد والحسد، وكلها امراض فتاكة تستوطن الصدور وتدمرها، وفي القرآن الكريم (ونزعنا ما في صدورهم من غل) وفيما رواه مسلم عن النبي صلى عليه وسلم أنه قال: (لا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله).والغل إذا دخل قلب الإنسان حطمه، وإذا تسرب إلى صدر دمره، ومع ذلك فهناك من يشوه الغل قلوبهم وصدورهم، حتى أصبحوا لا يفكرون في شيء كما يفكرون في الحسد والغش والعداوة للناجحين، لأنهم فاشلون.. لم يحققوا أي نجاح، يغيظهم أن ينجح غيرهم، بعد أن قصر بهم الطموح ومنعهم الخمول والتخاذل عن بلوغ أي نجاح مهما كان صغيرا. فهم لا يعملون ولا يريدون لغيرهم أن يعمل، فاشلون ولا يريدون لغيرهم أن ينجح.. يقول الشاعر: طواهم الغل طي القد وانتشرت بالغدر بينهُمُ الأحقاد والفتن فماذا يرتجى من أناس أضحى كل همهم هو اختلاق الأكاذيب في حق الناجحين، وبث الإشاعات ضد الطامحين، وهم بذلك يسيئون لأنفسهم أكثر مما يسيئون لغيرهم، لأن هذا السلوك يوغل بهم في دروب الشر التي لا تنتهي، فيبتعد عنهم كل من يعرف ما تنطوي عليه نفوسهم من خبث، إلى جانب ما يعنيه هذا الانشغال بالآخرين، من عدم القدرة على مسايرة الناجحين في أعمالهم بأمانة.. وأصحاب الغل ليس لديهم الوقت للوفاء بالتزامات وظائفهم التي يأخذون عليها أجرا، وهم بذلك كمن يأكل السحت، فما يتقاضونه من أجر لعمل لا يقومون به هو السحت، وقد سمي بذلك لأنه يسحت الحسنات، أي يزيلها ويستأصلها، فهم كما قال تعالى: (سماعون للكذب أكالون للسحت). والعياذ بالله. ليس من خلق المسلم، ولا من شيم المؤمن أن يشغل وقته بالخوض في شئون الناس، واستباحة أعراضهم بالكذب، ليصبح الذنب ذنبين: ذنب ارتكاب الخطيئة وذنب حمل وزرها، ولتصبح العقوبة عقوبتين، الأولى عقوبة الجرم ذاته، والثانية أخذ ذنوب المُساء إليه لتضاف إلى المسيء، وهذا العدل الإلهي كفيل بمن لديه عقل أن يعود إلى رشده، ولا يترك للشيطان منفذا إلى قلبه، ولا للشر طريقا إلى صدره، فلا أفضل للإنسان من أن يعيش مرتاح الضمير، عندما لا تشغله عيوب الآخرين عن إصلاح عيوب ذاته، والنفس الأمارة بالسوء تنحرف بصاحبها عن طريق الصواب، لتقوده إلى طريق الخطأ، ولا ينقاد للنفس الأمارة بالسوء إلا من انقاد للشيطان، وخضع لسلطانه، ومن كان الشيطان قائده فقد ضل عن سواء السبيل. وحده الانشغال بالعمل المثمر يؤدي إلى النجاح، ووحده الإيمان الراسخ يؤدي إلى رضا الله، ومن رضي الله عنه كسب خيري الدنيا والآخرة، وبذلك يصبح الإنسان أداة عمل، بدل أن يكون معول هدم، يهدم نفسه، قبل أن يهدم غيره، وكم للغل من نتائج سلبية على المجتمع والوطن. عندما يتجرد الإنسان من إنسانيته، ويغرق في وحل الغل.