عزيزي رئيس التحرير الحقد حمل ثقيل يتعب حامله إذ تشقى به نفسه، ويفسد به فكره، وينشغل به باله، ويكثر به همه وغمه. ومن العجب أن الجاهل الأحمق يظل يحمل هذا الحمل الخبيث حتى يشفي حقده بالانتقام ممن حقد عليه، وان الحقد في نفوس الحاقدين يأكل كثيرا من فضائلها فيربو على حسابها. ويتألف الحقد من بغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس الحاقد حتى يحين وقت النيل ممن حقد عليه.. فالحقد هو اضمار العداوة في القلب والتربص لفرصة الانتقام ممن حقد عليه. وقد تضعف النفس أحيانا فتبغض أو تكره لكن لا تستقر هذه البغضاء في نفوس المؤمنين حتى تصير حقدا، بل انها تكون عابرة سبيل سرعان ما تزول؛ اذ ان المؤمن يرتبط مع المؤمنين برباط الأخوة الايمانية الوثيق فتتدفق عاطفته نحو اخوانه المؤمنين بالمحبة والرحمة. وأما علاج الحقد فيكمن أولا في القضاء على سببه الأصلي وهو الغضب، وقمعه بالحلم وتذكر فضيلة كظم الغيظ ونحوهما، والاقلاع عن الغي واصلاح السريرة وتطييب الخواطر، وعلى الطرف الآخر أن يلين ويتقبل العذر، وبهذا تموت الأحقاد وتحل المحبة والألفة. ومن مضاره سوء الظن وتتبع العورات، واللمز، وتعيير الناس بعاهاتهم، أو خصائصهم البدنية أو النفسية، وقد كره الاسلام ذلك كله كراهية شديدة. ويصبح الحاقد خليفة للشيطان، وهذا الغليان الشيطاني هو الذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم، فيصبحون واهني العزم، كليلي اليد، وكان الأجدر به أن يتحول الى ربه يسأله من فضله، وأن يجتهد حتى يناله ما ناله غيره، إذ خزائنه سبحانه ليست حكرا على أحد، والتطلع الى فضل الله عز وجل مع الأخذ بالأسباب هي العمل الوحيد المشروع عندما يرى أحد فضل الله ينزل بشخص معين، وشتان ما بين الحسد والغبطة أو بين الطموح والحقد. لقد وصف الله أهل الجنة وأصحاب النعيم المقيم في الآخرة بأنهم مبرأون من كل حقد وغل، واذا حدث وأصابهم شيء منها في الدنيا فإنهم يطهرون منها عند دخولهم الجنة: (ونزعنا ما في صدورهم من غل)، وقال بعض العلماء: ليس أروح للمرء ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب، مبرأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، اذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها، وأحس فضل الله فيها، وفقر عباده اليها، واذا رأى أذى يلحق أحدا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرج ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضيا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى. سكينة صالح