إلى الآن لم نشهد انحدارا يجعل الطبقة الوسطى في مجتمعنا في حالة تآكل، ولكن في أي أزمة اقتصادية فإن أول وأكثر من يتحطم هم هذه الطبقة الوسطى التي عرفها عالم الاجتماع ماكس فيبر بأنها الطبقة التي تقع ما بين الطبقة العاملة والطبقة الثرية، وفي العرف الاقتصادي تعتبر هذه الطبقة هي عمود هام من الأعمدة الأساسية في الاقتصاد القومي. وبالحديث عن الطبقة الوسطى، يجب الاشارة إلى أن هذه الطبقة تشمل من لديهم حساب ادخار به ما يكفي من الأموال تحميهم من أي أزمة طارئة. بمعنى الطبقة الوسطى هي الطبقة التي لديها أكثر من دخلها الشهري، ولا أتحدث عن من يملكون راتباً شهرياً عالياً ويشترون به مقتنيات باهظة، وأغلب الدخل يذهب على مديونيات وقروض ولا يكفيهم إلا للشهر ذاته، هؤلاء يعتبرون - مهما علا دخلهم - طبقة عاملة، والطبقة الوسطى هي من تملك حجم أموال مدخر يكون كطوق نجاة لهم في المستقبل، أو لديهم مدخول ثانوي. ففي الخليج بدأت منذ منتصف الألفية الثالثة تتشكل هذه الطبقة وتبرز للعيان، وقد ساعدها كثيراً نمو السوق، ففي الوقت الذي حارب الغرب رأس المال الاسلامي على أثر هجمات سبتمبر 2000، عادت الرساميل إلى أوطانها، وشجع نجاح الاستثمارات الوطنية وأغرى الاستثمارات الاجنبية لتُنافس بتواجدها في المنطقة بمشاريع كبيرة، وإن كانت تلك المشاريع في أغلبها عقارية ومالية وتجارية، إلا أنها أحيت السوق شبه الميت، وخلقت فرص عمل واسعة وبمداخيل عالية، بل خلقت طبقة وسطى لم تكن موجودة فيما سبق كظاهرة بل على مستوى أفراد. الفرص المتاحة للبعض مكنتهم من أن يكون لهم مشاريعهم الخاصة، وأن يطوروا أنفسهم، وساعد في ذلك المناخ الجاذب من الدول الخليجية لتشجيع كل ما ينشط السوق، فاهتمت بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، حين برزت مؤسسات مالية تشجع على الاقتراض ورعاية تلك المشاريع، وكان الحافز لدى الجميع أن ينجح في مشروعه، ونجح من نجح، والكثير من الافراد وضع امواله في خراجات عقارية، أو تجارية، أو ودائع ذات ريع مُجز. كل هذه الانجازات لا يجب على الافراد أن يستهينوا بها، فكل فرد صنع لنفسه شيئا هو في الحقيقة ساهم في صناعة اقتصاد نام، ولا يجب أن يبخس حقه، فالأموال التي تدخر في البنوك تساهم في تحريك نشاط البنك وزيادتها تعني خلق فرص عمل أكبر. كل رأس مال يوضع في مشروع يعني تنشيط السوق وخلق فرص عمل أكبر، وبالتالي تنشيط الاقتصاد المحلي. وعليه يجب على الدولة اليوم مجازاة هذه الفئة التي عملت من حيث تدري أو لا تدري على انعاش الاقتصاد الوطني في وقت ما، فهذه الفئة مهددة بالتآكل في ظل ما يجري من تقشف، فكل ما يحتاجونه هو تخفيف القيود.