حرية مبهمة الأبعاد خرجت للسطح السعودي بعد ولادة تويتر، سنوات قلائل قلبت موازين العقل والتفكير والمنطق عندنا، فلم نعرف حتى الآن كيف نتعامل مع هذا الوليد ولا كيف نستفيد منه فضلا عن تجنب شروره ومساوئه!! الحروب الباردة حينا والمشتعلة حينا آخر بين التيارات الفكرية تصاعدت وتيرة جنوحها، وأزكمت الأنوف رائحة فساد بعضها. وبات اشتعال الفتيل أشد من احتمال القنديل فأصبح من ينأى بنفسه عن المشاركة ويكتفي بالمراقبة يُصاب بدوار البحر وهو على اليابسة.! الحملات الإعلامية الشرسة من قبل بعض الإعلاميين والكتّاب على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قلّبت كل الأوراق وسلّطت المجاهر على الأخطاء والهفوات والسقطات تدعمها ترسانة هائلة من مقالات وتغريدات تأييد من قِبل الأتباع والأنصار، وبلغ بهم الغلو في الرأي - وهم دعاة حرية للرأي والرأي الآخر - أن يطالبوا بحل جهاز الهيئة بالكامل دون مفاصلة أو مجادلة حول قرار دولة في انشائه ومباركته لتصبح الحرية عندهم زنبركا يتسع حجمه ويتقلص وفق الرأي والهوى.! على الجهة المقابلة صعّد المطبلون والمتعاطفون مع الهيئة لهجتهم الدفاعية العمياء وربطوا كل تصرف صائبا كان أم خاطئا من قبل الأعضاء بالدين والفضيلة والشرف، وفي سبيل هذه المسميات النبيلة صُنف كل معارض للسقطات الشنيعة بالليبرالي المعارض للدين والفضيلة والشرف بالضرورة، متغافلين عن حقيقة مفادها أن رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي جهة حكومية تتبع أجهزة الدولة ويعيبها ما يعيب أي جهاز حكومي آخر لا يحسن أفراده إدارته، وأنه ليس فوق النقد أو العقوبة والمحاسبة. ومع ارتفاع صرير الأقلام ووقع حوافر الاتهامات وتشعب التحزبات وتطاير غبار المعارك المخجلة صار لزاما أن ينضم العقل المقولب إلى احدى الفئتين وإلا بقي عقلا شاذا وطريدا في رحلة مجهولة. صوت العقل الذي لا مراء فيه والذي يجب أن يُسمع هو أن ليس للوطن وقت يضيعه بالالتفات إلى هؤلاء المتشددين والمبجلين لهم، وهؤلاء المعارضين وحدّية آرائهم. وإذا كان يسوء بعض أقوامنا تندر وسائل الاعلام الغربية على قضية دمية الهيئة - وهي سقطة لا تغتفر - فإن نفس دول هذه الحكومات لم تحرك ساكنا تجاه أطفال سوريا وهم يحترقون ويموتون كالدمى تحت القصف الروسي. ارتقاؤنا بطرح قضايانا هو السبيل الوحيد لتحسين أي قُبح في مرايا الإعلام الآخر، وانغماسنا أكثر في هجاء وذم بعضنا هو انتكاسة وطنية داخلية يجب تجنيب الوطن المثقل بحروب خارجية إياها.