بعينيه المندهشتين وأذنيه الكبيرتين ظهر عامر خان بطل الفيلم الهندي PK كغريب قادم من كوكب آخر، هبط على الأرض في رحلة لاكتشاف التنوع العقائدي الكبير ومفهوم القداسة عند البشر، وذلك من خلال طرح تساؤلات واسعة تشبه أسئلة الأطفال الذكية والبريئة والبديهية والتي نخشى الاجابة عنها، ولكن PK ومن خلال السيناريو الحكيم والدقيق جدا قدم لنا اجابات مبسطة وكارثية في ذات الوقت، لا يمكن أن تغادرك بسهولة حتى بعد الانتهاء منها. الفيلم الذي شاهدته أخيراً، والذي حقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما الهندية. ناقش اشكاليات مثيرة وعديدة مثل الحكم على المظاهر، الإرهاب، العنصرية، التطرف، أشكال العبادات الخاطئة وممارسات الكهنة التي تتعمد اذلال الانسان واهانته خاصة حين يكتشف PK أن البعض يتخذ وسيطاً مقدساً بينه وبين الإله. إنها «فلسفة القطيع الاجتماعية» التي تجبر البشر للانصياع المطلق لشيوخ الحياة، للجماعة، للقبيلة، للعادات، وللأعراف المتوارثة دون طرح الأسئلة، وبعيدا عن التفكير الحر، وبعيداً عن احترام الآخر وما يملكه من معتقدات وآراء. وهي ذاتها الفلسفة التي جعلت بعض النشطاء الهندوس يقومون بمظاهرات فى شتى أنحاء البلاد لمنع عرض فيلم النجم عامر خان PK لأنه يؤذى المشاعر الدينية الهندوسية حسب ما يزعمون. لدرجة أن وصلت هذه التظاهرات في ذلك الوقت إلى حد التخريب، وتكسير النوافذ والزجاج ببعض السينمات وحرق البوسترات. نظرية القطيع مصطلح يطلق على سلوك الشخص عندما يقوم بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمي لها دون تفكير، المصطلح في الأساس يطلق على تصرف الحيوانات في القطيع أو السرب من الطيور خصوصاً عندما تستشعر الخطر، ولهذا اكتسبت هذه الحشود الهندوسية المعارضة للفيلم الذي لم تشاهده ربما، قوة جمعية ك (القطيع) متبعة قائدها دون تفكير وذلك لمواجهة موقف مناوئ يتعارض معها، وهي تماماً الفكرة ذاتها التي ناقشها PK بعبقرية مثيرة للجدل، الأمر الذي أدى إلى طلب العديد من الأحزاب الهندوسية من عامر خان وزوجته مغادرة البلاد إلى باكستان خاصة لأنه يحمل الديانة الإسلامية في الأساس، معتبرين أن ما قام به هو إهانة متعمدة لآلهة الهندوس وقدسيتها. هذا الفيلم جعلني أضحك وأبكي وأحلم بعالم جديد يعترف بالتفكير الناقد للكشف عن العيوب والأخطاء بعين مجددة لا تقبل قوالب التفكير بل تعتمد على التجربة والتقييم، جعلني أيضاً أستمع بصمت وقداسة لكل الموسيقى المنبثقة، ولكل العبارات الواردة التي هزتني بعمق وجعلتني أرددها وأقارنها بما قاله الكاتب الامريكي الساخر مارك توين: "كلما وجدت نفسك في طريق الأغلبية، فقد حان الوقت لتتوقف وتغير اتجاهك". شكراً PK، ومشاهدة ممتعة لمن سيتبع اقتراحي لمشاهدة أداء عامر خان المذهل والاحترافي.