تحولت المسافة بين العاصمة البلغارية "صوفيا" وقطاع غزة إلى صفر، وحمل مقاتلو "كتائب الشهيد أبو علي مصطفى" الجناح المسلح للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جثمان رفيقهم عمر نايف على أكتافهم، في جنازة رمزية جابت شوارع القطاع، أعلن خلالها عن بدء حملة "الثأر وتطهير السفارات الفلسطينية في كل العواصم من عملاء الموساد الإسرائيلي"، بأمر من الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات القابع خلف أسوار سجون الاحتلال الإسرائيلي. وجرى اغتيال النايف (52 عاما) داخل مقرّ السفارة الفلسطينيةببلغاريا، فجر الجمعة الماضية، وطويت صفحته الأخيرة بعد 25 عاماً من المطاردة. وتتهم الشعبية السفارة الفلسطينية بتسهيل مهمة اغتياله على يد الموساد الإسرائيلي. والتجأ النايف قبل شهرين للسفارة، حيث طلب منها ممارسة مسؤوليتها تجاهه بتوفير الحماية اللازمة له، بعد طلب السلطات الإسرائيلية من نظيرتها البلغارية تسليمه لها. من جانبه، أمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات مقتل المناضل نايف، مديناً بأشد العبارات هذه الجريمة النكراء. وتلقى مقاتلو الشعبية أمرا ببدء عملية "الثأر"، بصوت خرج من حنجرة أحد أنصارها الذين كانوا داخل سيارة الإذاعة التي تقدمت الجنازة، وقال: "لقد وصلت الرسالة من الأمين العام "أبو غسان" بأن تباشروا بالانتقام وأن يكون مقابل الرأس - ويقصد النايف - ثلاث رؤوس"، مضيفاً: "الشعبية إن قالت فعلت، والشاهد موجود عندما اغتال مقاتلوها وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي رد على اغتيال أمينهم العام السابق أبو علي مصطفى". وبين المتحدث أنه "لو لم يتواطأ الخونة والعملاء داخل السفارة الفلسطينية، لما تمكن منفذو الاغتيال من قتل المناضل النايف، متهماً السفير الفلسطيني في بلغاريا أحمد المذبوح شخصياً بالسماح بقتل النايف، قائلاً له: "ستكون أول المذبوحين في عملية الثأر". وسعدات هو الأمين العام الحالي للشعبية، وجرى اعتقاله من قبل المخابرات الفلسطينية حيث احتجز في مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى أن قامت القوات الإسرائيلية بمحاصرة المقر مطالبة بتسليمها سعدات وأربعة من رفاقه تتهمهم بالوقوف وراء اغتيال زئيفي. وحكمت المحكمة العسكرية الإسرائيلية عليه بالسجن 30 عاما. ومن جانبها، قالت اللجنة المركزية للشعبية في بيان لها: إن "دماء النايف سترتد غضباً ولعنة على من نفذ وسهل عملية اغتياله التي جاءت نتاج التنسيق الأمني، الذي يمكن الاحتلال من تنفيذ جرائمه بحق شعبنا ومناضليه حول العالم"، واصفاً سلوك السفير الفلسطيني مع الشهيد النايف بالجريمة، سيما وأنه مارس في عدة مرة ضغوطات على الشهيد من أجل ترك السفارة. وبين البيان أن الشعب الفلسطيني سيلاحق المنفذين والمتآمرين ولن تشفع لهم جنسياتهم، مبيناً "أن على الاحتلال أن يعلم بأن دماء النايف ستؤسس لمرحلة جديدة في انتفاضة الشباب الفلسطيني، تمد من جسور الشراكة مع الشباب الفلسطيني حول العالم لن يكون شعارها بأقل من شعار (وراء العدو في كل مكان)". بدوره، أكد عضو اللجنة المركزية العامة للشعبية هاني الثوابتة أن جبهته ستثأر لدماء النايف عاجلاً أم آجلاً. مبيناً خلال حديثه ل"اليوم" أن اغتيال النايف يفتح الباب على أسئلة كثيرة يملك البعض الإجابة عليها بالمنطق والحجة التي دللت على أن كل المؤشرات والتحركات التي سبقت الاغتيال تشير لتورط السفارة". وجزم الثوابتة بأن جريمة الاغتيال نفذت بتواطؤ فلسطيني، مؤكداً أنهم سيقفون بالمرصاد لتلك الأيادي الجبانة التي شاركت ونفذت الاغتيال، قائلاً: "وحينما نقول نصدق". فصول حكاية النايف وتعود فصول حكاية النايف إلى منتصف نوفمبر من عام 1986، حين قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية باعتقاله من بلدة اليامون (غرب جنين)، وحكمت عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، على خلفية إدانته بقتل مستوطن يهودي في مدينة القدس، بمشاركة رفاقه من الشعبية. وفي عام 1990، استطاع نايف الهرب من السجن بعد تظاهره بالإصابة بمرض نفسي، فنقله الاحتلال إلى مستشفى للأمراض العقلية في بيت لحم، ليتمكّن بعد ذلك من الفرار إلى خارج البلاد، والتنقّل مرتحلاً بين عدد من الدول العربية، إلى أن استقر به المقام في بلغاريا عام 1994. وحصل نايف على الإقامة الدائمة في بلغاريا، وعمل في متجر صغير بالعاصمة صوفيا، وتزوّج من سيدة بلغارية وأنجب ثلاثة أطفال يحملون جنسية والدتهم. وعادت قضية نايف القيادي في الشعبية إلى الواجهة مجدداً منتصف شهر ديسمبر الماضي، عندما سلمت النيابة العسكرية الإسرائيلية رسالة إلى وزارة العدل البلغارية عن طريق سفارتها في تل أبيب، تطالب فيها بتسيلم نايف للسلطات الإسرائيلية، باعتباره "فارا من العدالة ومحكوما بالسجن المؤبد". وبعد الطلب الإسرائيلي، أوعزت النيابة العامة البلغارية بوضع نايف رهن الاحتجاز لمدة 72 ساعة، إلى حين اتخاذ القرار بالمحكمة السريعة لتقرير تسليمه للسلطات الإسرائيلية من عدمه، إلا أن الفلسطيني لم يسلّم نفسه، الأمر الذي ردّت عليه الشرطة البلغارية باقتحام منزله وتوقيف نجله ليوم واحد. في هذه الأثناء، كان نايف قد لجأ إلى مقر السفارة الفلسطينية هناك وتحصنَّ فيها كي لا تتمكن السلطات البلغارية من اعتقاله، لأنه وبحسب الأعراف الدبلوماسية، تعتبر كل سفارة أرضًا تابعة للدولة التي تمثلها، ولا تقع تحت سيادة البلد المضيف ولا يمكن لقوات الأخيرة اقتحامها. وكانت الشعبية قد حذّرت السفارة الفلسطينية في حينه من مغبة تسليم نايف، للسلطات البلغارية لتجنّب نشوب أزمة دبلوماسية بين البلدين، كما اتّهمت السفارة ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بممارسة الضغوط على نايف لتسليم نفسه. وأدانت فصائل وقوى فلسطينية عملية اغتيال نايف. وحمّلت إسرائيل والسلطة المسؤولية المباشرة عن اغتيال نايف المطارد من قبل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" منذ نحو 25 عاماً.