تعمل الأحزاب السياسية في مصر في خفوت بظل الشعبية الكبيرة في الشارع للرئيس عبد الفتاح السيسي، غير المنتمي لأي حزب سياسي، كما تتحرك على هامش ائتلاف "دعم مصر"، الحائز على الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب، ما أدخل الأحزاب المصرية في شبه "غيبوبة سياسية" أبعدتها عن صنع القرار السياسي. ويرى محللون أن الأحزاب الممثلة في البرلمان الحالي غائبة عن الشارع وغير متفاعلة معه، وليس لديها رؤى تقدمها للسلطة للتعافي من المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد. ويضم البرلمان المصري 596 مقعداً، وحصلت الأحزاب السياسية على 241 مقعداً منها، فيما حصل المستقلون على قرابة 350 مقعداً، انضم أغلبيتهم الساحقة لائتلاف "في دعم مصر" المؤيد للرئيس المصري. والغالبية العظمى للأحزاب السياسية في مصر مؤيدة للرئيس، وتعلن ذلك بوضوح في كل المناسبات الممكنة. وعقب تعديل المجلس العسكري قانون الأحزاب في أكتوبر 2011 بعد ثورة 25 يناير، ظهر العديد من الأحزاب الجديدة على الساحة بعد إقصاء الحزب الوطني، المهيمن على البرلمان ومفاصل الدولة وقت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أن صورة الحزب الواحد عادت من جديد متمثلة في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي فاز بأغلبية مقاعد برلمان 2011 الذي سيطر عليه الإسلاميون، وبعد ثورة 30 يوليو عام 2013 انتهى دور الحزب من المشهد السياسي. وحل القضاء المصري حزب الحرية والعدالة ومنع أعضاءه من الترشح في الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية. وجمدت أحزاب إسلامية أخرى صغيرة أنشطتها وسط دعاوى أمام القضاء لحلها خاصة مع التراجع الضخم في شعبية تيار الإسلام السياسي إثر عزل مرسى.. وظلت مصر منذ ذلك الوقت بلا حزب سياسي رئيسي وهو ما يبدو أنه سيستمر طويلا. "لن أسعى لإقامة حزب سياسي حالياً.. لأن هناك انقسامًا بين الأحزاب في مصر، ويجب أن أعمل على إنهاء هذه الانقسامات"، هذا ما قاله الرئيس السيسي للإعلاميين، خلال زيارة إلى الصين نهاية سبتمبر الفائت، إلا أن الأحزاب السياسية ترى تشكيل قائمة "دعم مصر" داخل البرلمان، تعد بمثابة حزب الرئيس وأنها تعيد الذاكرة لأيام هيمنة الحزب الوطني وتهميش باقي الأحزاب، بحسب ما قال العضو المؤسس بحزب المصريين الأحرار أشرف نبهان في اتصال مع "اليوم". غياب عن الشارع ولخص المحلل السياسي والباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، دكتور يسري العزباوي، أسباب تراجع دور الأحزاب في عدة نقاط، حيث قال ل"اليوم": إن "الأحزاب تعتبر أن دورها متمثل في الانتخابات فقط، كما أنها ليس لديها قدرة على إقامة فعاليات خاصة بها، فضلا عن وجود سلبيات في تشكيلها وتواصلها مع الناس". وأضاف العزباوي: إن "قلة التمويل التي يعيشها معظم الأحزاب تمنعهم من ممارسة أنشطة حقيقية على الأرض، كما أن ضعف تمثيلهم في البرلمان الحالي لا يوصل أفكارهم للسلطة والشارع بشكل جيد". ومثلت نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات البالغة 28 ٪ رسالة للأحزاب السياسية أنها غائبة عن قضايا المواطن والشارع، كذلك رسالة بأن الناخب المصري يثق في رئيسه أكثر من سياسيي الأحزاب. وبيانات الأحزاب المصرية بمثابة برقيات تهنئة وثناء على كل قرارات تصدر عن الحكومة والرئاسة المصرية، فيما ينخفض صوت الأحزاب القليلة المعارضة حتى لا يتم تصنيفها بأنها غير وطنية وتعادي الدولة المصرية. عوامل التراجع من جانبه، قال المحلل السياسي والباحث في مركز الأهرام للدراسات زياد عقل: إن"هناك عاملين وراء تراجع الأحزاب، أولها: عدم وجود تواجد عملي للأحزاب ينتقل عملها من قاعات مقراتها للشارع ومن ثم إلى السياسة، ثانيها: عدم توافر نظام سياسي يدعم الأحزاب من قبل السلطة" في إشارة منه لمطالبة الرئيس الأحزاب أكثر من مرة بالتوحد من أجل مصر. هذا التوحد المنشود مخالف بالأساس لفكرة الأحزاب. وأوضح عقل أن مصر منذ تأسيس الأحزاب في السبعينيات لم تحظ بمناخ سياسي يبلور دورها ويحول رؤاها إلى سياسات، مشيرا إلى أن الأحزاب فقدت اتصالها بالشارع وقت عهد مبارك بسبب هيمنة الحزب الوطني على الشارع. واعتبر عقل أنه عقب 25 يناير أخرج من المشهد مجموعة من الأحزاب، وتمت إعادة تشكيلها في أحزاب أخرى، كما أن تلك الفترة شهدت موجة أحزاب جديدة، وتابع: "خلال حكم الإخوان كان يهيمن على مجلس النواب التيار الإسلامي وبعد ثورة 30 يونيو 2013 تمت إعادة إنتاج أحزاب أخرى". وباستثناء حزب النور السلفي الذي أيد الإطاحة بمحمد مرسي، فلم يكن هناك خيار إسلامي في الانتخابات الأخيرة، إلا أن فشل تجربة الإسلاميين في مصر قلص من مقاعد النور من 123 مقعدا في برلمان 2011 إلى 12 مقعدا فقط، في برلمان 2015. ورغم تأييده للسلطة بقي الحزب منبوذاً في البرلمان وخارج أي ائتلافات سياسية. وتابع عقل: "بعد إقصاء التيار الإسلامي بقي في المشهد الأحزاب الأقوى مادياً، ومن له علاقة مباشرة مع السلطة مثل حزبي مستقبل وطن والمصريين الأحرار". المال السياسي يكسب وحزب المصريين الأحرار الحائز على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان (65 مقعدا) أسسه ويموله رجل الأعمال نجيب سويرس، فيما حزب «مستقبل الوطن» الذي حل ثانيا (50 مقعدا) يموله قطب صناعة الحديد أحمد أبو هشيمة. ويخشى مراقبون أن يؤدي ذلك لتغليب مصالح رجال الأعمال على البرلمان. وقال قيادي كبير في ائتلاف دعم مصر ل "اليوم" شريطة عدم ذكر اسمه: إن "الائتلاف لن يسمح لهذه الأحزاب بالسيطرة على البرلمان، وإملاء أجنداتها الخاصة على الحياة السياسية والاقتصادية في مصر". وتابع: "نحن (الائتلاف) أغلبية في المجلس ولن يمر شيء إلا بموافقتنا". ويشكو الدكتور رفعت السعيد رئيس المجلس الاستشارى لحزب التجمع اليساري من الفقر المالي للكثير من الأحزاب السياسية. وقال السعيد، إن: "هناك أحزابا تنفق الملايين لدعم مرشحيها بسخاء للتواجد في البرلمان، وهناك أحزاب تعجز حتى عن إقامة شوادر دعاية لكل أعضائها أثناء الذعاية الانتخابية"، إلا أنه أشار إلى أن بعض الأحزاب تنشط رغم هذه الظروف. وحصل حزب التجمع على مقعد وحيد بالانتخابات البرلمانية بعد ما فاز مرشحه بالمرحلة الثانية عبد الحميد كمال، عن دائرة السويس بمحافظة السويس (شرق)، ولم يحقق الحزب أي مقاعد على مدار المرحلة الأولى. ولفت السعيد إلى أن حزب التجمع يقوم بالعديد من الانشطة منها لقاءات مع النقابات وعقد ندوات لمناقشة الأمور السياسية والاجتماعية، فضلا عن تقديم اقتراحات فعالة للسلطة حول الأزمات رغم عدم وجود دعم مادي حقيقي للحزب. وكانت مصر تقدم دعما ماليا محدودا للأحزاب في عهد مبارك، إلا أن الأحزاب الاشتراكية الحالية التي لا تتمتع بمصادر تمويل ترغب في دعم من الدولة، وهو ما أكده المستشار عبد الغفار شكر، مستشار رئاسة حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي فشل في الحصول على أي مقعد في برلمان 2015 نزولا عن 7 مقاعد في برلمان 2011. وقال شكر في تصريحات، مطلع فبراير: إن "تقديم الحكومات مساعدات مالية للأحزاب تقليد معمول به فى كافة دول العالم، وبالأخص مع الأحزاب الاشتراكية التى تعبر عن الفقراء، ولا بد أن تساعد الدولة كل الأحزاب المسجلة قانونا، وأن يكون ذلك حقا دستورىا للأحزاب حتى لا يؤثر على حياديتها." وأوضح أن هذه المساعدات تكون "وفق معايير الانتشار الجغرافي وحجم العضوية، ومدى تمثيل الحزب فى السلطة التشريعية، والتمثيل فى المحليات". اعتراف وإنكار وفيما يعترف بعض الحزبيين بهذا الواقع السياسي الذي تغيب فيه الأحزاب السياسية عن لعب دور فعال ومؤثر، يدافع البعض عن التجربة. ويقول العضو المؤسس في المصريين الأحرار، أشرف نبهان ل"اليوم" إن: "الإخوان المسلمين نجحوا في الوصول إلى الشارع عن طريق دعم القرى الفقيرة لكن مع الأسف لا يوجد أحزاب حالية لديها نفس القدرة والشعبية التي تمتع بها حزب الإخوان آنذاك" وأضاف أنه "في حال اندماج الأحزاب في كيانات موحدة غير منتفعة من السلطة الحاكمة، وقامت بالعمل على أرض الواقع كما فعل الإخوان فستتمكن من التواجد بقوة على الساحة السياسية". وهذا الطرح الصريح لا يجد قبولا لدى حزب المؤتمر. وقال الدكتور محمد موسى، المتحدث الإعلامي باسم حزب المؤتمر الذي يشغل 12 مقعدا في البرلمان: إنه "لا يوجد تراجع لدور الأحزاب الكبيرة في مصر، وهي المؤتمر والمصريون الأحرار والوطن والشعب الجمهوري والوفد والنور". وأرجع موسى تراجع دور بعض الأحزاب الأخرى لنقص خبرات قياداتها في التواصل مع الشارع، والأمر الآخر ضعف الموارد المادية. وتابع: "للمرة الأولى يكون تمثيل الأحزاب بهذا الشكل، هناك أحزاب لديها 60 مقعداً في البرلمان". ولا يوجد حصر دقيق لعدد الأحزاب السياسية في مصر، إلا أنه يلاحظ وحود أحزاب مشهرة أو تحت التأسيس، ربما لا تمثل إلا أشخاص القائمين عليها. وأضاف عقل، أن الأحزاب المتواجدة في البرلمان الحالي متشابهة مع اختلاف اسمائها، حيث قال: "البرلمان يفتقد المكون الرئيسي للديمقراطية المتمثلة في التنوع والاختلاف، حيث إن خطاب الأحزاب واحد ولا توجد رؤى مختلفة". هذا المشهد انعكس بوضوح في جلسات البرلمان الذي أيد فور انعقاده وبأغلبية مريحة، كافة القوانين التي صدرت بقرارات رئاسية التي أصدرها الرئيس السيسي وسلفه الانتقالي عدلي منصور في غياب انعقاد جلساته. وإثر ذلك تحول البرلمان لساحة لتصفية حسابات شخصية أو مهاترات سياسية بعيدة عن اختياجات الشارع المصري الاقتصادية والاجتماعية.