عندما قدمت عبدالقيس إلى هجر (الأحساء حالياً) تغلبوا على من كان بها من قبائل إياد والأزد، وشدوا خيلهم بكرانيف النخل، فقالت إياد: أترضون أن تشد عبدالقيس خيلها بنخلكم، فقالت امرأة: "عرف النخل أهله"، وصارت مثلاً، وعندما زار وفد عبدالقيس الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينةالمنورة، عرضوا عليه تمرهم فسماه باسمه المعروف لديهم، "التعضوض، والصرفان، والبرني"، ولما تعجبوا من ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "إني قد وطأت بلادكم وفسح لي فيها"، ولما اشتهرت به هجر من انتاج التمور، جاء المثل العربي المعروف: "كجالب التمر إلى هجر". والحديث عن الأحساء والتمور ذو شجون، وما يهمنا في ذلك هنا، هو الارتباط التاريخي بين الأحساء والنخل والتمر، فهي علاقة ذات جذور تاريخية منذ أمد بعيد، ما دعاني لاستحضار تاريخ الأحساء والتمر هو مهرجان تسويق تمور الأحساء المصنعة، تحت شعار "ويا التمر أحلى" الذي تنظمه أمانة الأحساء، بشراكة استراتيجية مع غرفة الأحساء، ومشاركة هيئة الري والصرف بالأحساء، ومركز أبحاث النخيل بوزارة الزراعة، ومركز التميز البحثي بجامعة الملك فيصل بالأحساء. ويهدف المهرجان الذي افتتحه مؤخراً صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، بحضور صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود محافظ الأحساء حفظهما الله، إلى رفع مستوى جودة منتج التمور بحيث يحقق المنافسة كمنتج خام، وكذلك في التعبئة التحويلية والتغليف، وحظي باهتمام حوالي 45 مشاركاً، بين تاجر، وصاحب مصنع لتعبئة التمور، قدموا أنواعاً فاخرة من التمور في أركانهم التي شهدت إقبالاً من الزائرين، ومما يلفت نظر الزائر للمهرجان سلة التمر المفتوحة التي تحتوي على مليون تمرة، يأكل منها زائرو المهرجان. ويضم المهرجان فعاليات مصاحبة مثل معرض "عبير الأحساء للفنون التشكيلية"، الذي يذهب ريع مبيعاته إلى جمعية البر بالأحساء، ونموذجاً مصغراً لقيصرية الأحساء، ومعرض "حرفتي هويتي" للحرف المهنية الأحسائية القديمة، كما يضم المهرجان مسرحاً للطفل يقدم أوبريتاً يومياً، وأناشيد ومسابقات للأطفال، كما تشهد الساحة الخارجية للمهرجان عروضاً للفنون الشعبية الأحسائية، ويعكس ركن أمانة الأحساء الذكية "أمانتي"، قدرات المبدعين من شبابنا، وقد نال تطبيق "أمانتي" جائزة أفضل التطبيقات الذكية عربياً من قبل أكاديمية جوائز التميز في المنطقة العربية. ويدرك الزائر للمهرجان اهتمام أهل الأحساء بالتمور، ليس كمنتج محلي تقليدي فقط، بل في إبداعهم نقله من منتج محلي إلى منتج إقليمي، وعالمي مستقبلاً إن شاء الله، وذلك بعنايتهم بالتعبئة التحويلية للتمور عن طريق إضافة مواد جاذبة للمستهلك المعاصر، مما شهد إقبالاً من المستهلك المحلي والخليجي، كما تمكنوا من خلال هذه التعبئة التحويلية إلى جذب الأطفال الذين لا يستسيغون تناول التمر في ظل وجود المنافسة مع الشوكلاتة والكاكاو، والحلويات الأخرى، إلى تفضيل التمر، ومن هنا أدعو وزارة التعليم مباشرة أو عن طريق معتمدين إلى شراء منتج التمور تحت مواصفات معينة، وحجم معين لتقديمه لأبنائنا وبناتنا في المدارس كمنتج صحي بديلاً عن المنتجات التي يتم تسويقها في المقاصف المدرسية، واعتبار ذلك في نفس الوقت دعماً للمنتج المحلي والاقتصاد الوطني. وتدل المؤشرات على نجاح المهرجان، من خلال ما تم من صفقات تجارية بلغت خمسة عشر مليون ريال، كانت إحداها صفقة بثلاثة ملايين ريال، في الأسبوع الأول من المهرجان. بقي أن نعرف أن في الأحساء ثلاثة ملايين نخلة، تنتج حوالي مائة وعشرين ألف طن من التمور من ستين صنفاً، أشهرها تمر الخلاص والرزيز والشيشي. أسال الله تعالى أن يحقق مهرجان تسويق تمور الأحساء، وغيره من مهرجانات تسويق التمور في المملكة الأهداف بنقل منتج التمور من المحلية إلى العالمية، وأن يكون بذلك رافداً للاقتصاد الوطني.