تقول الإحصائيات الرسمية إن عدد اللاجئين السوريين في الأراضي المغربية، يتراوح ما بين 8000 و16000، دخل معظمهم عبر الحدود الجزائرية المغربية، مما أدى إلى أزمة ديبلوماسية بين الطرفين في يناير عام 2014، حيث وجهت الرباط أصابع الاتهام إلى جارتها الجزائر بترحيل السوريين إلى أراضيها، من خلال تكديسهم قرب الحدود الشرقية. وقد سبق للمغرب أن طرد مجموعة مكونة من 15 لاجئا سوريا قدموا إلى المغرب عبر الجزائر، وإرسالهم على متن رحلة متجهة إلى تركيا، مارس من سنة 2014 وهو نفس المسلك الذي سلكته الدولة الجزائرية حين رحلت 31 سوريا إلى دمشق شهر سبتمبر من العام ذاته. سلوك المغرب أملاه قيام عدد كبير من السوريين باحتجاجات ضد أوضاعهم المزرية بالمغرب، حيث شهدت العاصمة الرباط مجموعة من الوقفات الاحتجاجية على قلة المساعدات التي يحصلون عليها من طرف الأممالمتحدة، أمام مقر المفوضية السامية للاجئين في أكثر من مناسبة، ومطالبين الهيئة الأممية بتقديم مساعدات إنسانية ومالية عاجلة، للاجئين السوريين بالمغرب، وتحسين ظروف عيشهم الصعبة، داعين إلى إدماجهم في المجتمع المغربي بالشكل الذي ييسر حياتهم، ويسمح لهم بعيش حياة كريمة، أو إعادة توطينهم في بلدان أخرى، إذا لم يكن بمقدور المغرب استقبالهم. وفي ظل هذا الوضع أكدت وزارة الداخلية المغربية، بأنها ستقوم بالطرد الفوري لكل مخالف، وذلك بالتزامن مع تحذيرات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية بدورها من سلوك "بعض الرعايا السوريين الذين يثيرون القلاقل في المساجد وبين المصلين". بالموازاة مع ذلك اتخذ المغرب تدابير رسمية، لمعالجة أوضاع الكثير من المهاجرين الأجانب عام 2014، في عملية استفاد منها حوالي 18 ألف مهاجر ولاجئ، وكان نصيب السوريين منها 5250 شخصًا بحسب وزارة الداخلية المغربية، حيث قام المغرب بتصحيح أوضاع هؤلاء السوريين، تحت مسمى الهجرة لا اللجوء، هذا الإجراء سهل عملية اندماج هؤلاء في النسيج الاجتماعي المغربي، حيث مكنهم من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية والتدريس والسماح لهم بالعمل في البلاد بشكل قانوني. شهادات تجسد واقع الحال تقول إيمان التي تبلغ من العمر 32 سنة، والتقتها "اليوم" بمدخل مسجد درب عمر الواقع بقلب الدار البيضاء التجاري، وكانت تستجدي المصلين، إنها تقيم مع عائلتها المكونة من زوج وأربعة أطفال بالمغرب منذ عام وتشعر بالارتياح بعدما تمت تسوية وضعية عائلتها القانونية، حيث يدرس أبناؤها في مدارس حكومية، ولكنها تجد بدا من التسول لتغطية المصاريف حيث تستأجر شقة بمبلغ 180 دولار شهريا وسط تجمع سكاني بحي يدعى النسيم تقطنه أغلبية الأسر السورية، مشيرة إلى أنها فضلت الاستقرار بالمغرب بعدما كانت في وقت سابق بالعاصمة أبوظبي وطارت إلى القاهرة ومن تم إلى الجزائر فالمغرب، وتضيف إنها ستتوقف عن التسول، مباشرة بعد تدبير مبلغ يمكنها من التوفر على محل لتصنع فيه الحلويات السورية، في ظل إقبال المغاربة عليها، منوهة بسلوك المغاربة خاصة منهم الرجال الذين لهم عطف كبير على العوائل السورية بخلاف النساء، حيث ترى فيهن نظرات تثير الاستغراب. وعلى طول الشارع المؤدي إلى مطار محمد الخامس الدولي، وقرب الإشارات الضوئية المنتشرة جنب التجمعات التجارية، تجد عائلات سورية بالعشرات خاصة من النساء فهذه ريهام تقول إن وضعيتها قانونية بالمغرب، ولم تجد بدا من الخروج إلى الشارع لاستجداء المحسنين، لتغطية النفقات ودفع الإيجار، حيث تسكن بغرفة بمائة وخمسين دولار شهريا، وتقيم فيها مع عائلتها المكونة من أربعة أكبرهم يبلغ 22 سنة، وأكدت أنها تشعر بالراحة الكاملة بالمغرب، وستسعى إلى تغيير سكنها، ولا تفكر في مغادرة الدار البيضاء بالنظر إلى تعاطف المغاربة مع المواطنين السوريين" حيث تشعر بهذا التعاطف في حركاتهم ولمحات وجوههم. وواصلت "اليوم" جولتها حيث تم الانتقال إلى حي فرح السلام بمنطقة الألفة بمحافظة الحي الحسني، حيث توجد أكبر نسبة من العائلات السورية. وفي هذا الحي تشعر وكأنك في حارة سورية فعلا، حيث تلاحظ في إحدى المقاهي تجمعات تضم شبابا وشيابا سوريين يتجمعون على كؤوس الشاي، ويتسامرون وهم يتابعون إحدى مباريات كرة القدم، مع مغاربة طبعا. تردد الشاب نزار في البداية بالتحدث إلينا معتقدا أننا من البوليس السري، قبل أن يطمئن بتوجس، حيث أكد انه دخل المغرب رفقة زوجته وابنه الذي لا يتجاوز خمس سنوات صيف العام الفائت، بعدما دفع حسب قوله "تحويشة العمر" لمهربين في الجزائر ساعدوه على دخول المغرب من المنطقة الشرقية. ويقول "كنا ننتقل من مهرب لآخر، إنها شبكة منظمة تضم مغاربة وجزائريين، يشتغلون بطريقة ميكانيكية، ويعتمدون أسلوب الحذر الشديد، الحمد لله وبعد ثمانية أيام من التعب والترقب والتخوف تمكنا من ولوج التراب المغربي، حيث عاملنا السكان بمنتهى اللطف، وتم إمدادنا بالمأكل والمشرب، ووفروا لنا أغطية بل رق حال أسرة لحالنا فمنحونا الدفء وأدخلونا بيتهم وأكرمونا، وبقينا هناك ستة أيام قبل الانتقال إلى الدار البيضاء للالتحاق بمجموعة من الأصدقاء الذين سبقونا للمغرب، وهأنت ترى أنني بينهم وسعيد بذلك"، ويتابع ساعدني أصدقائي في تسوية وضعيتي القانونية، وأبحث عن شغل يليق بي، حيث أقوم حاليا بدور المتسول رفقة زوجتي أمام المساجد، إلى أن أتمكن من جمع رصيد مالي يخول لي إيجار محل سأخصصه للمأكولات السورية، في ظل إقبال المغاربة على "الشاورما" السورية. نزار كان لطيفا حين نادى على مواطنه محمد هشام الذي قال ل"اليوم" إنه سعيد فعلا بالتواجد بالمغرب، على الرغم من قلة المدخول، حيث يشتغل في مطعم تملكه عائلة سورية ويضطر لقطع مسافة طويلة من أجل الوصول إلى مقر عمله، ولا يتجاوز المدخول 100 دولار أسبوعيا، ينفق منها الربع في التنقل والباقي لإعالة العائلة المكونة من زوجة وثلاثة أطفال ناهيك عن الإيجار. وقال محمد: إنه لا ينوي الاستقرار بالمغرب، بل توجد لديه اتصالات – لم يكشف عن طبيعتها – من أجل الانتقال إلى أوروبا مؤكدا انه سيتوجه رفقة عائلته لشمال البلاد، في انتظار السفر إلى اسبانيا. قصي جميل الذي انضم إلى الجلسة، بدا أكثر تشنجا حيث انهال بالشتم على نظام الأسد، وقال إنه غير مرتاح لا في المغرب ولا في أي مكان آخر، بل يحن لعائلته التي تركها في دمشق، ولم يتمكن من استقدامها معه ولا العودة إلى بلاده، وقال "المغاربة أناس طيبون.. ولكنها ليست بلادنا، نريد العودة وانتهاء الكابوس الذي جثم على صدورنا وشردنا وعائلاتنا".