ما أكثر ما كتب وأعلن ودرس عن ثقافة الآخر، وما زال البعض في حالة رفض ومقاومة لكل ما هو مختلف، تحت شعارات نحن وهم، وكأن التفرد الوجودي هو غاية رافضي الاختلاف. إذاً قبل أن نتفهم حقوق الآخر يجب أن نفهم ضرورة تواجده، والآخر هنا قد يكون الآخر العرقي، الديني، القبلي، الاقتصادي، الفكري، اللغوي، وحتى الآخر الكروي. ففي حين تكون أسباب اختلافنا متغيرة نسبياً على مر العصور، وجود الاختلاف في الكون هو عامل ثابت. الكل مرتبط بضده وكأن التوازن الكوني مبني على النقيض. مثال على هذا التوازن المتضاد هو الينغ يانغ، حيث تمثل التميمة الصينية القديمة "ينغ يانغ" فلسفة الآخر وترمز بتباينها على "تناغم النقيض". يندمج المتضادان سويا ليشكلا التوازن التام والدائرة الكاملة. الأسود والأبيض معاً على نفس النسق، لا يكون أحدهما بدون الآخر، وكل منهما يحمل جزءا من الآخر. هنا نرى أن للآخر دورا في تحديد هويتنا بمقدار الدور الذي نلعبه نحن في تحديدها، ولا يقل أهمية عنه. فبدل من أن يكون النقيض أو المضاد يكون هو المكمل، لأن نظيرنا المختلف هو الشريك الدائم في الدائرة الكونية. إذاً، ما أن ندرك الضرورة الحتمية من وجود الآخر؛ حتى ندرك أن المسافة التي نتناولها في الحديث عن تقريب وجهات النظر قد تكون أقرب بكثير مما يعتقد البعض. بل لعلها قريبة جداً حد الالتصاق. دعنا لا نربط الاختلاف بالخلاف، فالباحث عن الخلاف يبحث عن أسباب يعزي إليها رغباته النزاعية. فسواء كنا في حالة اختلاف متوازية أو متضادة؛ فلا بد من وجود الآخر؛ لأن تساوي القيم لا يلغي المفارقات.