نجاحنا في إنجاز مشروعنا في ترقية الذات رهن بمدى استمرارنا على الطريق الصاعد للوصول إلى القمة، فالإنجازات الكبيرة التي تسهم في التغيير الهادف لحياتنا تتطلب جهدا متواصلا. تقول الحكمة الشهيرة : «من السهل أن تدرك القمة؛ لكن من الصعب أن تحافظ عليها». والقمة شيء افتراضي، فلست أقصد قمة جبل مثل افريست (Mount Everest) لكن أتحدث عن قمة الطموح في ترقية الذات والبلوغ بها أعلى درجات كمالها الممكن. بعضنا يبدأ الطريق في تطوير ذاته، لكن سرعان ما يتوقف ويعود أدراجه تكاسلا أو هروبا والأمر الوحيد الذي يمكنه إعاقة النجاح هو الافتقار إلى المثابرة Perseverance ، والمتابع لحال شريحة كبيرة من الأبناء يجد جيلا مترهلا يؤثر الخمول والعيش بين الحفر ، وهذا ينعكس سلبا على الأمة ومستقبلها. المثابرة في لغتنا تعني المداومة، ويعرفها جيلفورد Guilford بأنها : "ميل للاستمرار في محاولة إكمال مهمة معينة رغم المشاق والتعلق بالهدف رغما عن النتائج العكسية والمقاومة والتثبيط" ، ويمكن تعريفها إجرائيا بأنها القدرة على تحمل ومواصلة بذل الجهد رغم الصعوبات والعقبات. والمثابرة هي المفتاح الذهبي لتحقيق أهدافك وإنجازها، بل وتحويل الفشل العارض إلى نجاح دائم، وهي سبيلنا إلى تحقيق نتائج مرضية في تربية الأبناء أو تحصيل دارسي عال، وأداء وظيفي أو اقتصادي مرموق أو مواجهة ناجعة لتحديات النهوض بمجتمعنا، وهي باختصار سلم الصعود إلى هرم النجاح. وعندما نقول (فن المثابرة) فهذا يعني أنها تكتسب بالتعلم والتدرب والتطبيق العملي لمتطلباتها، ويمكن اكتساب فن المثابرة من خلال (خلطة) من المعرفة والمشاعر والممارسات: 1- المجال المعرفي : ينبغي أن تعرف أهدافك بوضوح والخطة المناسبة والزمن المتوقع لتنفيذها، واقرأ السير الذاتية للعظماء وتراجمهم لتتعلم منهم كيف ارتقوا إلى القمة، وتأمل ما قاله يوسف عليه السلام وهو يوجز أسباب تمكينه في الأرض بعد المحن التي واجهها : { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} سورة يوسف : (90). يقول توماس ألفا إديسون Thomas Alva Edison عندما سئل كيف استطاع أن يستمر في محاولات اختراعه المصباح الكهربي بدلا من الاستسلام للفشل : "عندما كنت أواجه أي فشل كنت لا أقول أبدا إنى فشلت، لكنى كنت أقول فقط : إني توصلت لطريقة أخرى لا تؤدى الى اختراع المصباح". 2- المجال الشعوري : مشاعر الأمل والتفاؤل خير ما يعزز إرادة الاستمرار لديك قال تعالى : { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ َ } سورة يوسف : (87) فابتعد عن الكلمات المحبطة، واستشعر معية الله لك، واملأ قلبك بقول الله تعالى: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} سورة الأنفال: (46). وسل الله الوقاية من المثبطات الثمانية التي استعاذ منها النبي (صلى الله عليه وسلم) كل صباح ومساء : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ) رواه البخاري. إن تصور النجاح دون عراقيل يضعف درجة الاحتمال لدى الشخص فينكسر مع أول عائق، وهذا ما نبهنا إليه القرآن في قوله تعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} : (214) سورة البقرة. ويحسن أن يكون لك ظهير من صداقات مجتهدة تشد أزرك، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. 3-المجال العملي : كوّن لنفسك عادات يومية تتعلم من خلالها ممارسة المثابرة، مثل العناية الشخصية بالبدن وقراءة آيات من القرآن الكريم أو صفحات من كتاب أو تمرين مشي بشكل يومي. وقد جربت بناء المثابرة من خلال الحرص على صلاة ثنتي عشرة ركعة من النوافل يوميا، وهو إرشاد نبوي كريم جاء فيه : (من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعده وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر ) رواه الترمذي. وقم بتنظيم جهدك بحيث تستمر في قمة النشاط أطول فترة ممكنة، وتناول قدرا من الراحة بحيث تحافظ على تنشيط خلايا جسمك من وقت لآخر، واحذر من المبالغة؛ حتى لا تصاب بالسأم وهذا ما تعنيه الحكمة النبوية : (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). وتذكر أن تستمد العون الرباني بدعائك القرآني : {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} سورة الأعراف : (126).