خلال ال 75 عاما الماضية، كان يسبق كل أزمة اقتصادية تقريبا ارتفاع في أسعار النفط. القلق الآن هو أن أسعار الطاقة المنخفضة تدفع الاقتصاد العالمي نحو الانهيار. في حين أن هذه الفكرة غير بديهية، إلا أنها تكتسب الاهتمام لأن نسبة كبيرة من المستثمرين والمستهلكين في العالم هم الآن في الأماكن التي يتضررون فيها جراء الهزيمة في أسعار السلع الأساسية. شركة أبل، على سبيل المثال، اعتبرت أن السبب في تراجع المبيعات في الربع الماضي ناتج عن تراجع النمو الاقتصادي في بعض البلدان الغنية بالنفط. قال هان دي جونج، كبير الخبراء الاقتصاديين في إيه بي إن أمرو بانك في أمستردام: «لم أعتقد أبدا أنني سوف أتمنى، ناهيك عن أن أتقدم بالدعاء، من أجل أسعار نفط أعلى، لكنني أفعل ذلك. يحتاج العالم وبشدة لأسعار نفط أعلى». المشكلة هي أن الاقتصاد العالمي يعتمد كثيرا اليوم على البلدان الناشئة أكثر مما كان عليه قبل 15 أو 25 عاما- الفترات الأخيرة من أسعار النفط المتدنية جدا. في خطوة أخرى، ظهرت الولاياتالمتحدة لتتنافس مع السعودية وروسيا كأكبر البلدان المنتجة للنفط في العالم. في الماضي، كان الضرر الذي تتعرض له الدول المصدرة يتعرض للتعديل من خلال مكاسب المستوردين. باستثناء الصين والهند، تعتبر معظم البلدان النامية الكبرى غنية في النفط والسلع الأساسية. ومثل هذه الاقتصادات تستأثر الآن بحوالي 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حوالي ضعف حصتها في عام 1990، وفقا لصندوق النقد الدولي. قال جيان ماريا ميليسي-فيريتي، نائب مدير البحوث لدى صندوق النقد الدولي: «تواجه العديد من البلدان المصدرة للنفط ظروفا صعبة. لذلك، الآن عليها خفض الإنفاق بشكل كبير، وهذا سيكون له أثره على النمو الاقتصادي». إن المأزق صعب للغاية بحيث ان الإعسار السيادي، الذي كان منذ فترة طويلة احتمالا بعيد الحدوث، أصبح الآن واردا. قال جابريل ستيرن، رئيس بحوث الاقتصاد الكلي العالمية في شركة أكسفورد إيكونومكس: «يقدم التاريخ سببا وجيها يدعو للتشاؤم الكبير بالنسبة للثروات المحتملة لمنتجي السلع الأساسية». في الثمانينيات، عندما انخفضت أسعار النفط إلى ما دون 10 دولارات للبرميل وانخفضت السلع الأخرى، «المنتجون الذين تجنبوا الإعسار السيادي كانوا هم الاستثناء وليس القاعدة»، بحسب ما قال، مشيرا إلى ان 68 بالمائة من الذين يتابعهم أصيبوا بالإعسار. تعتبر السوق أن فنزويلا، واحدة من أكبر مصدري النفط العشرة في العالم، كمرشح محتمل لحدوث الإعسار لديها. حيث ان سنداتها المستحقة في عام 2022 يجري تداولها بقيمة 38 سنتا للدولار وتبلغ نسبة الفائدة على السندات أكثر من 40 بالمائة. في عام 2013، كان العائد أقل من 10 بالمائة. يجري كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ الآن محادثات مع أذربيجان وسورينام لتقديم قروض طارئة. كما طلبت نيجيريا أيضا المساعدة من البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي. لا شك أن النفط سوف يصل إلى الحد الأدنى للأسعار حين يصل الاقتصاد العالمي إلى حده الأدنى. لقد عمل التباطؤ في الصين على خفض طلبها على السلع الأساسية، ما يعني أن الاستقرار هناك قد يدفع النفط الخام للارتفاع. إلا أن البعض الآخر غير قلق على الإطلاق. قال الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في دالاس، في ورقة بحثية صدرت في يناير، إن الانخفاض في أسعار النفط الذي يحدث بسبب ارتفاع العرض - كما هو الحال الآن - يفترض أنه يعمل على تعزيز النمو العالمي بما يصل إلى 0.4 نقطة مئوية. وأفادت الورقة البحثية: «إن هذا يرجع أساسا إلى زيادة في الإنفاق من قبل البلدان المستوردة للنفط، والذي يتجاوز الانخفاض في النفقات من قبل البلدان المصدرة للنفط». في الواقع، تركز السوق على التعديلات قصيرة الأجل وتتجاهل المكاسب المحتملة، وفقا لما يقوله لورنس دي فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك. قال فينك الشهر الماضي: «الحقيقة هي أن 4 مليارات شخص سوف يحصلون على طاقة أرخص ثمنا، وتدفئة أقل سعرا. في النهاية، سيعمل هذا على إعادة تسريع وتيرة الاقتصاد العالمي. ربما يستغرق هذا ستة أشهر، وربما عاما واحدا لكنه مع ذلك جيد». قال فرانشيسكو بلانتش، محلل السلع الأساسية في بنك أمريكا ميريل لينتش، إن الانخفاض المستمر في أسعار النفط «سيدفع ب 3 تريليونات دولار سنويا من البلدان المنتجة للنفط إلى المستهلكين في العالم، ما يمهد الساحة لواحدة من أكبر عمليات النقل للثروة في تاريخ البشرية». لكن حتى الآن لا يتصرف المستهلكون في البلدان المتقدمة كما ينبغي: أي إنفاق الأرباح المفاجئة التي حصلوا عليها من خلال الطاقة الأرخص. لكن هذه المرة، كما قال صندوق النقد الدولي في يناير «الارتفاع في الاستهلاك في البلدان المستوردة للنفط كان حتى الآن أضعف نوعا ما مما يمكن أن توحي به بعض الأدلة من حالات التراجع السابقة في أسعار النفط». السبب: يستخدم المستهلكون الذين يعانون من ضائقة نقدية الوفورات من أجل تسديد ديونهم. يقدر خبراء الاقتصاد لدى بنك جيه بي مورجان تشيس أن الأسر المعيشية الامريكية، على سبيل المثال، أنفقت أقل من نصف دخلها النقدي الإضافي. دفعت أسعار النفط المنخفضة الشركات إلى إلغاء عشرات المشاريع ذات رأس المال المكثف - مثل حفر الآبار- والتي بدورها تعني انخفاض الطلب على المعدات. تقدر شركة وود ماكينزي، وهي شركة استشارات صناعية، أن ما لا يقل عن 380 مليار دولار أصبحت الآن معلقة بانتظار التطورات. أما شركة آي إتش إس فهي تقدر الرقم بأنه يصل تقريبا إلى 1.5 تريليون دولار. مهما كان المبلغ، يقول صندوق النقد الدولي إن التأثير على الاستثمار في مشاريع النفط والغاز الجديدة يعمل على «تخفيض الطلب الكلي العالمي».