ظلّ -ولم يزل- اللاجئون إلى ديار الآخرين بسبب الحرب والمجاعات يتعرضون لأشد القسوة من تلك الدول التي يلجأون إليها، وهم ينشدون الطمأنينة والأمان من بعد ما تفرقت بهم سبل الحياة؛ بسبب الحروب التي انتشرت واستشرت وما تركت من الأخضر إلا يابساً، بل تغولت على اليابس فأحرقته، ولقد ظلّ هؤلاء اللاجئون يدفعون الثمن الباهظ مرات ومراتٍ عديدة. فهم باضطرارهم الخروج من أوطانهم قسراً يفقدون ديارهم وممتلكاتهم بل وشعورهم بالانتماء الوطني الذي خلفوه وراءهم فراراً من الموت الذي أصبح يحوم في بلادهم، حيث لم يكن لهم من خيار سوى اللجوء، وما أسوأ أن يضطر الانسان ان يبتعد عن وطنه قسراً.... وتارة أخرى نجدهم يدفعون ثمناً باهظاً داخل البلاد التي لجأوا إليها؛ بسبب ما يحدث فيها أحياناً من افعالٍ غير مسؤولة من بعض المتفلتين الذين لطالما اتخذتهم جماعات الإرهاب واستخدمتهم لتنفيذ أجندتها الشيطانية التي لا تمت للإنسانية بصلة. لا تزال آثار هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م على برجي مركز التجارة الدولية ومقر وزارة الدفاع الأمريكية تتماهى آثارها في سياسات الكثير من الدول في أثرٍ بليغ وسلبي تجاه الآخر خاصة عندما يكون هذا الآخر قادماً من عند أرض العرب والمسلمين، كحال ما حدث بالأمس القريب من أحداث إرهابية في العاصمة الفرنسية (باريس)، أحداث أدت الى تفاقم أزمة اللاجئين الفارين إلى أوروبا طلبا للأمان بعيدا عن الحروب التي تعصف ببلدانهم في سوريا والعراق ومناطق عدة في الشرق الأوسط، وبالرغم من أنّ الكثير من مراكز البحث والاعلام قد تناولت مواقف تلك الدول بالنقد والتحليل فمن المؤسف له أن بعض الدول الاوروبية وامريكا قد تغيرت نظرتها الى اللاجئين العرب وعلى وجه التحديد المسلمين الى نظرة عدائية أكثر منها الى النظرة الإنسانية؛ بسبب جرائم وأعمال لم يقترفوها وليس لهم بها صلة البتّة. وبالطبع فإن اللاجئين الذين يفرون من بلدانهم خشية مخاطر الحروب التي تعصف بهم ليس من العدالة تصنيفهم ضمن لائحة الأعداء، لهذه الدرجة التي وصلت ببعض الدول الغربية وامريكا على وجه الخصوص السعي لإغلاق الحدود في وجه اللاجئين السوريين مؤخراً في محاولة لإفشال مشروع توطين عشرة آلاف لاجئ سوري في الولاياتالمتحدةالامريكية هم في أمس الحاجة للأمان، وقد حدث هذا الموقف في أعقاب ردود الفعل على الهجمات التي تعرضت لها باريس وبيروت على وجه الخصوص، كأحداث لم يزل البعض يعتبرها امتداداً لأحداث الحادي عشر من سبتمبر المشهورة، تلك الاحداث التي غيرت نظرة البعض وبررت للكثيرين اتخاذ مواقف سالبة تجاه العرب من المسلمين على وجه الخصوص، ويُلاحظ أن البعض اتخذ من هجمات باريس ذريعة لدعم موقفهم الرافض لاستقبال اللاجئين السوريين في بلدانهم؛ ما أثار الكثير من ردود الفعل الغاضبة تجاه هذا الموقف السالب وغير الإنساني، مما جعل هذه المسألة تمثل أزمة داخل وخارج تلك الدول الممانعة بحسب نظرتها المرتابة والعدائية حيال هؤلاء اللاجئين، هذا إذا ما علمنا بحسب ما رشح من اخبار مؤخراً ان الكثيرين من الحكام الجمهوريين في الولاياتالمتحدةالأمريكية قد أعلنوا مؤخراً عن عزمهم عدم استقبال اللاجئين السوريين في ولاياتهم بذريعة أنّ معظم اللاجئين السوريين الذين فروا من مخاطر الحرب التي عصفت ببلادهم لا يحملون وثائق ثبوتية، وحيث إن ظروف الحرب وبما تحدثه من مفاجآت في الغالب لا تمكِّن أحداً من أخذ أوراقه الثبوتية اذ انه يكون في حالة فرار من الموت في تلك اللحظات العصيبة، لهذا لا ينبغي أن يكون عدم حيازة اللاجئ لأسانيد ثبوتية ذريعةّ ومبررا لعدم حصوله على ملاذ آمن، على اقل تقدير ينبغي ان ينظر إليه كإنسان تقتضي القيم الإنسانية والأخلاق البشرية حمايته من مصاعب وأهوال الحياة في مثل هذه الظروف، وما أسوأ أن يجد الانسان انه قد أصبح لاجئاً وبلا وطن ومضطراً إلى أن يعيش في ارضٍ غير أرضه ويزداد الامر سوءًا عندما يجد أنه غير مرحب به، وهو يتساءل ولسان حاله يقول: أين السلامة..؟!! (يا زمان الحرب يا موت الضمائر يا لجوء الانتجاع أين الكرامة يا زمان الذلِ يا زمن التشرد والضياع).