لابد من التأكيد على أن الحديث حول الجهاد مفهوم صعب ولا يجب أن يتم التلاعب به بين الناس. والعلماء بالسعودية امتازوا بالحكمة وبعد النظر في كثير من الأحداث، حتى أن السوريين وغيرهم غضبوا من المؤسسة الدينية بعد أحداثٍ كثيرة منذ أيام أفغانستان والبوسنة والهرسك وغيرها من الأحداث وكان آخرها الشيشان وسوريا، في كلمته أمام العلماء قالها الملك عبدالله للمفتي أن ينبه الناس إلى أن لا ينجروا وراء المغررين بهم للانخراط في المعارك شرقاً وغرباً بل عليهم أن يعوا أن المآسي المجاورة هي لأهلها، وأهل مكة أدرى بشعابها، وعلى العكس قد تأتي الكوادر غير المدربة فقط لمجرد الموت بينما الجيش الحر يمكنه أن يقود المعارك بنفسه، فلا للتغرير بالناس. قبل أيام دعا المشاركون في مؤتمر "موقف علماء الأمة من القضية السورية"، إلى وجوب الجهاد لنصرة سوريا بالنفس والمال والسلاح، معتبرين أن ما يجري في أرض الشام من حزب الله وإيرانوروسيا والصين، المعاونين للرئيس السوري بشار الأسد، هو "إعلان حرب على الإسلام والمسلمين"، مطالبين الحكام العرب والمنظمات الحقوقية بمقاطعة البضائع والشركات والمصانع وأي تعاملات سياسية مع إيرانوروسيا والصين، وكل الدول التي تتعامل مع بشار الأسد. في علم السياسة نفهم عدم استيعاب روسيا للموقف السعودي من الثورة السورية، حين انسحب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل والسعودية من مؤتمر "أصدقاء سوريا" فعبّر عن موقف مفصلي في تاريخ الثورة السورية؛ وأجرأ المواقف الدولية الداعمة لحق الشعب السوري بالحرية والكرامة. لكن حين يُقلّل البعض أو يُنكر أي دور أو واجب قامت به السعودية تجاه الشعب السوري ويتّخذ فريته هذه ذريعة للتحريض ضدها والدعوة للزجّ بشبابها والسعودية قد وقفت مع الإنسان السوري منذ بداية الثورة فهذا الذي نتوقف عنده ونتساءل: لِمَ؟! السعودية في مواقفها دائماً تثبت أنها تتعالى على المصالح السياسية أو النفوذ المرتبط بالقوة، مواقف السعودية الأخلاقية تُعبّر عن السياسة السعودية التي رسمها الملك عبدالعزيز منذ تأسيس هذه الدولة. في تاريخ السعودية لم تؤيد المملكة حرباً واحدة، فهي وقفت ضد غزو العراق للكويت، ومن ثم كانت تحذّر من غزو الولاياتالمتحدة للعراق، لكن لو أخذنا دولة كروسيا بسبب سلوكها "المافيوي" في التعاطي مع السياسات العالمية حاولتْ أن تكسب قدر الإمكان من الحدث السوري، وهي تحاول حتى الآن أن تدفع بالنظام السوري للبقاء، وأن تضع حداً للثورة السورية. فكيف تتساوى المواقف عند أولئك؟! المتابع للصحافة السورية والإعلام السوري التابع للنظام كان يلحظ الهجمة الشرسة على السعودية ودول الخليج منذ بداية الثورة والكثير من الهجوم الشخصي العنيف الذي لا يستغرب مثله من مثل نظام سوري وصفه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل بأنه "نظامٌ يقتل شعبه" هذا الوصف يكفي بموضوعيته ودلالته. فقد كان يعلم النظام السوري أن السعودية لم تكن ضد أحدٍ لأنها تريد أن تكون ضده، بل إن مواقف السعودية ذات أبعاد أخلاقية وإنسانية، فليس لها في سوريا أي مصلحةٍ أو أي طموحٍ للنفوذ وهجوم الإعلام السوري ومن يدور في فلكه ضد السعودية هو أبسط دليلٍ كافٍ على إدراك النظام السوري لموقف السعودية الحقيقي من نصرة الشعب والثورة السورية الذي تتعالى فيه السعودية عن الصوت وتجعل فعلها ودعمها وحراكها هو الذي يتحدث عن موقفها. توجه الوفد السعودي في باريس بقيادة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي والأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات العامة وعقدت المباحثات الفرنسية السعودية في الملف السوري سبل تجنيب الهزيمة للجيش الحر والرد على معركة القصير وأعلنت واشنطن قرارها بتسليح المعارضة السورية نُدرك أكثر أنّ السياسة ليست خطابة وإنما مواقف! وهي استراتيجية يدركها أي باحثٍ في السياسة. لا نقاش على أن الوقوف مع السوريين ودعمهم بالمال وبما يحتاجونه أمر ضروري قامت به السعودية منذ بدء الأزمة، لكن الأخطر أن تتم الدعوة إلى الجهاد، وهي دعوة غير صادقة، لأنها موجهة إلى الشباب ليكونوا الحطب في المعارك. الغريب قول الدكتور صفوت حجازي، الداعية الإسلامي، الذي أكد أن رابطة علماء الأمة سترسل لواءً إلى سوريا للقتال في وجه بشار الأسد ونصرة شعب سوريا، مطالباً الحكام العرب والروابط الإسلامية بتشكيل ألوية وكتائب إسلامية لنصرة شعب سوريا والجهاد فيها، ومقاطعة الغرب وطرد سفرائهم من الدول العربية! حسناً فعل القرضاوي حين تراجع عن دعم حزب الله في وقت سابق، أوضح القرضاوي بقوله: "وقفت ضد شيوخ السعودية ودافعت عن حزب الله في حربه ضد إسرائيل، وكنت أحكم على الظواهر وقلت إنهم مسلمون رغم أنهم مبتدعون، وهم يعلنون ولاءهم لأمة الإسلام، لكن اتضح أنني كنت على خطأ وأصاب علماء السعودية". هذه أزمة حقيقية لكن الملف السوري في عهدة السعودية والذي يُدار ويُحلّ بالدبلوماسية والحنكة والدعم المرتب على ما تفعله السعودية، أما الجنون الذي يقود إليه من يُغرّر فلن يزيد الأزمة إلا تراكماً.