نجح النظام السوري المتمثل في شخص الطاغية بشار الأسد من إحراز نقاط تحسب لصالحه على رغم الانفلات الأمني الذي تشهده المناطق السورية . فيكفي أن ينعدم الأمن وتصبح الصورة للعدو ضبابية، فلا يعرف من هو؟ ومن أين جاء؟ وما الذي يريده من هذه الأرض؟ حتى ندرك حجم الندم الذي يستوطن صدور فئة كبيرة من الشعب السوري، والذي بات اليوم لا يحلم بشيء قدر حلمه بأن ينام في بيته الذي شُرد منه، ويذهب لمقر عمله، ويعود لأسرته ليتناول ما تيسّر من الطعام في راحة بال وشعور بالأمان. هذه النقطة التي يستخدمها النظام السوري المجرم في الحرب وبثّ الجماعات المسلحة في أماكن متفرقة تبطش بالمدنيين، وتسرق أحلامهم لم تكن بعيدة من المخيمات الفلسطينية، فمنذ بداية الأزمة السورية حاول أهالي المخيمات أن يبقوا في منأى عن الأزمة التي تعصف بالبلاد كونهم غرباء، لا ناقة لهم ولا جمل لكي يتحملوا تبعات هذا التدخل، وعلى رغم ذلك زُجَّ بهم قسراً، وحوصرت مخيماتهم وضربت بالقنابل، واعتقل كثير من شبانهم بدءاً من مخيم درعا وانتهاء ب»اليرموك» الذي يحاصره النظام والقوات المسلحة الموالية له من الفصائل الفلسطينية بقيادة أحمد جبريل، تحت ذريعة وجود قوات معارضة مسلحة وإرهابية داخل المخيم. المشكلة أن المخيم الذي تبلغ مساحته كيلومترين مربعين، والمكتظ بالسكان المطحونين من السوريين واللاجئين الفلسطينيين، بات اليوم ساحة حرب مشتعلة خنقت مداخله، وحُكم على أهله بالموت جوعاً وقتلاً. كل فصيل يقتل لأسبابه الخاصة، وكل جماعة تعتقل لأسبابها الخاصة، ولا أحد من أولئك المدهوسين تحت أقدام القوى يستطيع فهم سبب جعل دمه رخيصاً ليتاجر بِهم! إن كان السبب في حصار المخيم وقتل أهله هو الجماعات المسلحة التي يدعي النظام أنه يعاقب أهله بسبب وجودها، فما الذي يدفع النظام للصبر والسكوت عن تلك الجماعات ومعرفة أماكنها والقضاء عليها؟ وأين هي المعارضة التي نصَّبت نفسها المخلص للشعب من هذا القتل؟ ولماذا لا يموت أو يقتل من داخل المخيم سوى الآمنين من الضعفاء والأطفال؟ ألا يعرف الموت وجوهاً أخرى غير سكانه والنازحين؟ ألا يستدل على طريق تلك الجماعات المسلحة التي اقتحمته، وجرّت معها الوبال على سكانه؟ بت أتيقن أن المثل الشعبي «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه» ينطبق على الشعب الفلسطيني تحديدا،ً فاللاجئ سيبقى مشرداً في أصقاع الأرض، والحكومات تتوالى على نثر الملح فوق جراحه. فأينما وجد اللجوء وجد حق ووجد أمل للعودة لوطن اغتصبته العصابات الإسرائيلية. لقد بدأ النظام السوري الغاشم ينتهج مسلكاً مسعوراً لمحو ذاكرة المخيم وطمس معالمه وتجويع أهله، تشاركه وبعض والألوية الفلسطينية المنشقة وتجار الحروب، وكل منهم يحارب ليرفع راية سلطته، فالمخيم معروف بأنه نقطة تجمع وانطلاق نحو الوطن بحجمه الصغير. فما يضير أن يُمحى شعب لا وطن يحميه، ولا حكومة تحسب لأجلها الحسابات؟ وسيبقى اللاجئ شماعة للإرهاب، ومحاصراً ومشرداً حتى تضيق عليه الأرض، وإن لم تستطع الدول أن تضمه تحت جنسيتها فالأوطان الأخرى كفيلة أن تبتلعه وتضيع هويته. مخيم اليرموك الذي يعتبر نبض المخيمات الفلسطينية في سورية وأكثرها تنظيماً، كان لا بد من أن يمحى لترسم خريطة جديدة، فهو مهد للانطلاق نحو دمشق، والتوغل في أحيائها، ولأن بناء الدولة الجديد سيكون فوق رفات المخيم وذكرياته التي بدأت تفتت. فمن يا ترى سينقذ المخيم من أن يكون معقلاً للإرهاب أو أداة للإطاحة بدمشق التاريخ؟ ومن يستطيع حماية تاريخ سورية قبل أن تطمسها هجمات الوحشيين؟ ومن سينقذ الفلسطيني من لجوء ما توقف منذ 64 عاماً؟ ومن المستفيد من هذا الصمت الموجع؟ [email protected]