إن خطبة الجمعة تعد رافدا تفاعلياً بموضوعاتها المتنوعة للمتلقي بكل مستوياته الثقافية واهتماماته، فكل إنسان يملك جزءا كبيرا من حرية القبول والرفض بإبداء الاعتراض أو التأييد في أي مقام خلا دقائق خطبة الجمعة والتي يكون دوره فيها سلبياً أي أنه مستمع فقط للخطيب، ومن أهم موضوعاتها وهو جزء ضمين فيها الإشارة للمشاريع التنموية نشرا وتوجيها. خطبة الجمعة وإن كان أصل فرضيتها دينياً إلا أن ما تتطرق إليه يجب أن يلامس جوانب الحياة بمعطياتها مهما كانت واستحضار الجانب التنموي للبيئة والأفراد المسلمين، وهذا الدور شغل خطباء العصر التشريعي بدءا بالمصطفى عليه الصلاة والسلام وأصحابه من بعده. فالخطيب المتمكن لا يقتصر دوره في خطبته على ترسيخ معاني الأخلاق وأحكام العبادات اليومية -رغم أهميتها- فحسب، بل إلى محاولة القفز لترجمتها لواقع يثري ويعرضأركان التنمية بمفرداتها وفواصلها الاقتصادية والسياسية، والحفاظ على البيئة، والحقوق المدنية والتكافل الاجتماعي، وغير ذلك. و لا يتم له إلا بطريق ربطها بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة استشهادا أو تنزيلا أو قياساً، إذ في المصدرين كل مقومات التنمية ولكن تبقى الحلقة غير مكتملة النظم إلا بخطيب يحسن التعامل معها وفق تطوير المجتمع وتلمس حاجاته. فالمسلم المتلقي جاء للجمعة وخطبتها بعد انشغالات متعددة؛ ليسترشد السبيل القويم أو التوجيه من خطيب يظن فيه الاستيعاب، وأن أمامه شخصية توظف استغلال جوانب التنمية بما يعود على الأمة الإسلامية بخير ورخاء؛ بما يكون أدعى لقبولها والعمل بها على أنها من الدين، وليست براغاماتية مؤقتة أو ميكيافيلية إقصائية بتعبير آخر! و أهم عوامل نجاحها في نظري: فهم الخطيب لمدلول وآثار التنمية المجتمعية ووضوح أهدافها على المستقبل الإسلامي. استيعاب مقومات المشروع التنموي بوجهة شرعية. الاستفادة من تجارب بلدان العالم والإسلامية خاصة. ملاحظة أنه مرشد ومحفز لا متخصص يعرض ويشخص ويحل، فيستفيد من العلماء الشرعيين والخبراء وولاة الأمر. أخيراً.. رغم هذا أعتقد أن أهم العقبات التي ستواجه رسالة الخطيب الشاملة هي عدم جدارته الذاتية لاستيعاب الواقع أحيانا وفهم متطلبات التنمية ومقايستها بالنصوص الشرعية، وذلك آت من عدم استشعاره لأهمية ما سيقدمه للأمة الإسلامية، أو قصوره في التأهل الشرعي، ويستطيع المهتم الاستفادة من العلماء والمهتمين والاطلاع على علم السياسة الشرعية والكتب النافعة.