كان تنفيذ حكم القصاص في النمر مفاجأة لإيران، تماماً كمفاجأة «عاصفة الحزم» يوم انطلاقها. فلم تتوقع طهران أبداً أن تنحى السعودية هذا المنحى، حيث ترى طهران أن الرياض أربكت وصدمت، كما ينقل المتابع للشأن الإيراني اللبناني علي هاشم وهو مدير موقع «الميادين» أونلاين، ولعل أكبر دليل على اضطراب ايران من السياسة السعودية الحازمة والتى قررت مواجهة المشروع الإيراني مباشرة والعمل على ايقاف تمدده هو خروج المرشد الأعلى عن رشده والحديث عن «الانتقام الإلهي» الذي سيقع على المملكة ثم بدء مسلسل محاولة شيطنة المملكة دولياً بقيادة الرئيس روحاني ووزير الخارجية الايراني والذي لم يترك فرصة الا وحاول فيها التحذير من السياسة السعودية الجديدة باعتبارها خطرا على الاستقرار في الشرق الاوسط. هذه المقدمة تُثبت وجود أزمة داخل دوائر صناعة واتخاذ القرار الإيراني بشأن كيفية تعامل إيران مع السعودية الجديدة ذات السياسة الحازمة والسريعة والقوية، والتي لم تتعود عليها طهران خلال العقدين الماضيين ولم تتجهز لها، فقد استغلت طهران ظروفا اقليمية ودولية لتطبيق ما تستطيع تطبيقه من نظريات العلاقات الدولية في الاقليم فحاولت الاستفادة من ظروف ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق لفرض «نظرية الهيمنة» ومحاولة منح نفسها الاولوية والزعامة وتصوير نفسها وكأنها طرف مهيمن، ولجأت حيناً ل «نظرية اللعبة» وحاولت تعزيز مكاسبها في حلقة الصراع بين أطراف اللعبة الاقليمية والذي كان يرجح لصالحها وفضلت حالة الصراع الصفري وتحقيق مكاسب على حساب جيرانها ورفضت حالة اللاصفر واللجوء إلى الأسلوب التعاوني الذي لا يسمح بالتصادم. وخلال وبعد موجة ما سمي الربيع العربي طبقت إيران «نظرية الفوضى» وحولت العلاقات مع محيطها لعملية صراعية وتبجحت بالتحكم بأربع عواصم عربية. ومن الحقائق التى سببت زيادة الاضطراب الايراني للتعامل مع السياسة الخارجية الجديدة والتى لم تستطع ان تُنكرها طهران أن السعودية الحازمة والتى ترفع العصا الغليظة بوجهها لم تتخل عن مد الجزرة فوزير الخارجية الجبير قال في العاشر من ديسمبر 2015 «نتطلع لبناء أفضل العلاقات مع إيران، تلا ذلك تأكيد نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القنصلية والبرلمانية، حسن قشقاوي، بدء مباحثات ثنائية مع الرياض مؤكداً أن سفير إيران لدى السعودية، حسين صادقي، ناقش موضوع تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين مع المسؤولين في الرياض، وأن طهران ترحب بتعيين السفير الجديد مُبدياً أمله الكبير في تحسين العلاقات الثنائية، ومن جهه أخرى فإن إعادة المملكة فتح سفارتها في العراق وإرسال السفير لبغداد كان رسالة ودليل حسن نية تجاه طهران حسب قراءة ايرانية.. الأمر الثاني الذي أزعج الساسة الايرانيين هو نجاح المملكة في تشكيل تحالف اسلامي عسكري يستثني بلادهم، ثم إيجاد تكتل خليجي وإقليمي يرفض السياسة الإقليمية الإيرانية، وقدرة الرياض على سرعة الحشد الإقليمي لصالحها. فالرياض نجحت في إظهار ان الازمة الحالية ليست أزمة سعودية- إيرانية بل هي أيضاً خليجية وعربية- ايرانية وهو ما سيضيف زخما لشرعية الدور الإقليمي الذي تلعبه المملكة في المنطقة العربية لعزل إيران إقليمياً. بغض النظر عن تداعيات تطبيق اتفاقية «خطة العمل المشترك» بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي (الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، روسيا، والصين) إضافة إلى ألمانيا، والاتحاد الأوروبي مع إيران فإن المملكة الحازمة لن تتردد في مواجهة الدور الإيراني وتدخلها بالشؤون الداخلية العربية، والجديد أنها هذه المرة أن رياض الحزم، تعتمد على إمكانياتها بالتنسيق مع أقرب الحلفاء الخليجيين والعرب وليس مع الغرب وهو ما يمثل نقطة قلق إيرانية إضافية.