«عيشها غير»؛ عبارةٌ ترددت كثيراً على ألسنة السوريين، وفي تدويناتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من باب التندّر على صعوبة الأوضاع التي عاشوها خلال العام 2015. فالعبارة التي كانت شعار حملةٍ إعلانيةٍ ضخمة مطلع العام الفائت، عن تقديم حسومات للمواطنين على السلع الاستهلاكية، وتذاكر الطيران، وغيرها؛ سرعان ما تحوّلت إلى نكتة تلخص مرارة المعاناة اليومية للسوريين في السنة الخامسة للحرب، من جراء تطوّراتها الميدانية، وانعكاساتها الاقتصادية، والاجتماعية. ضغوطات الحرب خلال العام الفائت، دفعت بآلاف السوريين للمخاطرة بحياتهم، وركوب البحر، قاصدين أوروبا كلاجئين أو طالبي لجوء، في أكبر موجة نزوح عرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وتصدرت صور تكدّسهم بالزوارق المطاطية، ملوَنين بستر النجاة البرتقالية، وسائل الإعلام العالمية التي رصدت غرقَ العشرات منهم، بينهم أطفالٌ ونساء، وتزاحُم الناجين على حدود الدول الأوربية، منهكين حالمين بملاذٍ آمن بعد رحلة سفرٍ شاقّة، ذاقوا خلالها ألوان التعب والعذاب، لكنّ صورة جثة الطفل السوري الغريق "آلان كردي" التي وجدت ملقاةً على أحد الشواطئ التركية كانت الأكثر تعبيراً في تلخيص المأساة، رغم عشرات الصور الموجعة لضحايا الحرب السوريّة من الأطفال، وبدا رسمُ وجه آلان، هادئاً جميلاً بلا دماء، كمن يغطّ بنومٍ عميق، بمثابة الصفعة لضمير البشرية. وكان جواز السفر السوري أحد نجوم عام "عيشها غير" الحاضرة بالتفجيرات الإرهابية التي ضربت عاصمة الأنوار باريس، وبين المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا من مختلف الجنسيات، حيث أصبح انتحال صفة لاجئ سوري أمراً شائعاً جداً، للحصول على معاملةٍ تفضيلية، تفتح أبواب القارة العجوز أمام الهاربين من البؤس والفقر والاضطهاد، الأمر الذي قابله السوريون بالسخرية الطريفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ومما ساهم في تغذية موجة اللجوء الجماعي إلى أوروبا بين أوساط الشباب السوريين على وجه الخصوص مؤخراً؛ حملة مكثفّة قادتها السلطات المختصة، لسوق المتخلفيّن عن الخدمة الاحتياطية والإلزامية بالجيش السوري، للذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 عاماً، وكان لهذه الحملة انعكاساتها الاقتصادية أيضاً، حيث فقدت أسرٌ عديدة معيليها ممن اعتادوا العمل على مدى ساعاتٍ طويلة لتوفير احتياجاتهم الأساسيّة، ومهما بلغ راتب الخدمة الاحتياطية فلن يكون كفيلاً بسد تلك الاحتياجات. والدمار طال مساحاتٍ شاسعة من الأراضي السورية، حيث أشارت دراسة محليّة إلى أنّ عدد المنازل المدمرّة في البلاد أصبح "يتجاوز المليوني منزل، نزح منها حوالي ستة ملايين شخص"، على وقع التطورّات الميدانية للحرب، وربمّا أبرزها خلال العام 2015؛ خروج إدلب عن سيطرة الحكومة، وإخلاء حمص بالمقابل من "الفصائل المسلحّة" بعد تسوية "الوعر"، ورغم ذلك لا تزال التفجيرات الإرهابية تستهدف باقي سكان المدينة. أما في المدن السوريّة التي تشهد استقراراً نسبياً بمحاذاة الجبهات الساخنة، كما هو حال العاصمة دمشق، ورغم جهود عشرات الجمعيات الخيرية الحكومية منها، وغير الحكومية؛ فقد أصبحت الفوارق الطبقية بين الناس تلحظ بوضوح، تتراوح بين طبقة أغنياء الحرب والطبقة المعدمة، والشوارع ذاتها تكتظ بالمتسولين، والسيّارات الفارهة، إلا أنّ سكّانها يتشاركون جميعاً، هاجس النجاة اليومي من موتٍ صار قدراً يومياً مسلّماً به، مع نزوعٍ فطري للفرح، يتجسّد بمغالبة الجراح، والاحتفال بما يشبه الأعياد، أو ارتياد المقاهي، وأماكن السهر، أو حضور السينما والمسرح، حيث شهدت "أوبرا دمشق" على سبيل المثال، برنامجاً حافلاً طيلة العام 2015. سماء مزدحمة بالطائرات سماء سوريا خلال سنة "عيشها غير" شهدت ازدحاماً غير مسبوق بالطائرات العسكرية لدول العالم العظمى، التي تحالفت لضرب "داعش"، وكان للروس اليد العليا في الأرض والجو، بعد إشهار تدخلّهم بشكلٍ فاعل في الحرب بطلبٍ من الحكومة السوريّة، وأصبح لقاعدتهم العسكرية بالساحل السوري ثقلاً كبيراً، وحظيت بنصيبٍ وافر من التغطيات الإعلامية.. تدريبات جنودهم، أسلحتهم، فاعليتهم القتالية، غذاؤهم، وكيف يمضون أوقاتهم؟ وشجرة الميلاد الضخمة التي زينّت القاعدة مؤخراً. وبينما يستمر استنزاف الشباب السوري على الجبهات الأمامية للقتال، وسط ظروفٍ بغاية الصعوبة، في بلدٍ أصبح مسرحاً لحربٍ دولية، لا تتوقف الدول الكبرى عن إبداء قلقها حياله، وسعيها لإنهائه، وعقدت لذلك عدّة مؤتمرات، كمؤتمري فيينا الشهيرين الذين غاب عنهما السوريّون، ومؤتمر نيويورك لإعلان مبادئ حلٍّ ما زالت تفاصيله مختلفاً عليها، وذلك بموازاة اجتماعاتٍ استهدفت التأليف بين قلوب المعارضة احتضنتها موسكو، القاهرة، والرياض.. وفي الوقت ذاته يتواصل السجال حول المواقف المتباينة، وتراشق الاتهامات، بين الحكومة والمعارضات، والدول الداعمة لهما، إلى جانب تشكيل تحالفات، وفصائل مسلحة جديدة، وانهيار أخرى. تحليلات متفائلة لكن رغم ذلك، فثمّة تحليلات تتفاءل بأنّ 2016 سيشهد على الأقل بداية الحل للسوريين، تلك التحليلات يغذيّها الأمل بجديّة مساعي المجتمع الدولي بعد تفجيرات باريس الإرهابية، وتنامي أزمة اللاجئين، وتطورّات أوضاع الحرب السوريّة الميدانية خلال عام 2015، على مستوى تسجيل تسويات في "الوعر بحمص"، و"الزبداني - مضايا بريف دمشق"، و"كفريا - الفوعة بريف ادلب"، فيما يترقب سكّان العاصمة السورية ما قيل إنّه سيكون أكبر عملية إجلاء لمقاتلين اسلاميين من ريف دمشقالجنوبي، قد تمهد لعودة عشرات آلاف المدنيين إلى "مخيم اليرموك". وبانتظار ما سيكون، يبرز السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم: هل يحتمل السوريون عاماً قاسياً آخر من طراز "عيشها غير"، بعد أن نال منهم الإنهاك إنسانياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وعسكرياً، بما يتجاوز حدود التعب؟ أم أن سنة 2015، ستكون آخر سنين الحرب القاسية بالنسبة لهم؟ مخدرات حزب الله ولم يتوقف حال السوريين عند ذلك، فبدأت ميليشيات ومرتزقة حزب الله التي قتلت وروعت السوريين بنشر المخدرات بين الشباب، ففي حي التضامن جنوب العاصمة دمشق وفي شارع نسرين الذي تتحصن به قوات النظام وجل قاطنيه من الموالين له، يبيع أبو ساجدة الأثاث المستعمل أو ما بات يعرف عند السوريين "التعفيش"، أي الأثاث الذي تسرقه قوات النظام من مناطق القتال التي تسيطر عليها، ليشكل هذا واجهة لعمل آخر يقوم به أبو ساجد وهو تجارة الحشيش والمخدرات. أبو ساجد البالغ من العمر 42 عاماً، وهو لبناني الجنسية، من جماعة الحزب كما يطلق عليه جيرانه، في إشارة إلى أنه من عناصر ميليشيا "حزب الله"، أتى إلى دمشق في 2013 في مهمة قتالية، ليتعرض للإصابة بعدها ويفضل البقاء والعيش في دمشق، ويتحول اسمه من "أبو ساجد 23" حيث كان راميا على رشاش 23 في ميليشيا "حزب الله" إلى "أبو ساجد الكيف"، نسبة إلى نبتة الحشيش أو "الكيف" التي امتهن بيعها الآن بعدما ترك السلاح نتيجة الإصابة في فخذه. وبحسب "السورية نت" التي تمكنت من اختراق إحدى شبكات "حزب الله" في دمشق العاملة بتجارة الحشيش وعرابها أبو ساجد، وتوثيق المعلومات حول هذه الشبكة من مصادر عدة تتحفظ على ذكر أسمائها خوفاً على حياتها، وتملأ محل أبو ساجد صور للأمين العام لميليشيات "حزب الله" ورأس النظام وبشار الأسد، الذي استقر في حي التضامن، بعد إصابته على جبهة الدير سلمان في الغوطة الشرقية، ويتفاخر بين المقربين إليه بأن "البذرة" ويقصد بها الحشيش، هي من أفخر الأنواع في جنوبلبنان، يأتيه من عناصر "حزب الله" من بلدته "سلعا" الواقعة جنوبلبنان، ويوصف بأنه "الديلر" الأكبر في المنطقة، أي المروج الأكبر للحشيش بحسب ما هو معروف. ويتفاخر أبو ساجد أمام المقربين منه أن عناصر من ميليشيا "حزب الله" تقوم بإيصال الحشيش له من جنوبلبنان إلى محله في دمشق، ففي المرحلة الأولى يكون حصاد نبتة الحشيش التي لا يسمح بزراعتها إلا للعائلات المقربة من الميليشيا، وأبرزها حقول عائلة "جعص" و"بري" و"زعيتر" العائلة الكبيرة المعروفة بولائها للميليشيا وبتجارتها الحشيش. وبعد الحصاد يتم تجفيف النبتة على سفوح حجرية، وبعد جفافها تصبح كما النعنع اليابس ليتم بعدها طحنها وغربلتها بغربال ناعم، وجمعها بمكعبات عجينة، حيث تختص كل عائلة أو مجموعة بختم تطبع فيه الكميات التي تقطعها، حيث يقطع كل 500 غرام على حدة بما يسمى "الكف". بعدها يتم إدخالها عن طريق قوافل ميليشيات "حزب الله" إلى سوريا، إما عن طريق القلمون، أو عن طريق معبر المصنع، حيث لا تتعرض فيه قوافل الميليشيا للتفتيش، وتأخذ على كل كيلو من الحشيش 1000 دولار مقابل التوصيل إلى الأراضي السورية. ويعتمد أبو ساجد في التوزيع على شبكة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاماً، يوزعون الحشيش على شبكة من التجار المحليين تتركز مناطقهم في جرمانا، والقزاز، والدويلعة بريف دمشق، لسهولة حركتهم ولأنهم غير مطلوبين للخدمة الإلزامية للنظام، ولا يمكن لأحد أن يقوم بتفتيشهم أو اعتراض طريقهم. ويعتبر أبو "ساجد" أن الحشيش المخدرات تجمع جميع الأطراف، فهو يقوم بتوزيع الكوكايين ذي السعر العالي إلى قيادات الميليشيات، أما المقاتلون العاديون في صفوفها أو جنود النظام فيطلبون الكبتاجون، أو ما يعرف باسم "الحبوب"، وهي التي تعطي الجسم نشاطاً كبيراً، والمعروفة بأنها رخيصة نسبياً حيث يبلغ ثمن الحبة 1000 ليرة سورية، أما الحشيش فيتم ترويجه بين طلاب الجامعات ويباع ال25 غراما منها بحوالي 10 آلاف ليرة سورية. وبحسب المعلومات الموثقة، فإن تجارة ميليشيا "حزب الله" في المخدرات لا تقتصر عبر «أبو ساجد» على المناطق التي يسيطر عليها المرتزقة والنظام، بل تتعدى إلى مناطق تنظيم داعش، وبحسب أبو ساجد، فإن هنالك الكثير من طلبيات الحشيش يتم إرسالها إلى التنظيم في جنوبدمشق. وتعتبر زراعة الحشيش والخشخاش والتبغ التي تلقى رعاية في مناطق نفوذ ميليشيا "حزب الله" مصدراً ثالثاً من مصادر تمويل الميليشيا، بعد مصدري تمويله المتمثلين في الدعم الإيراني، والأموال التي تأتية من قبل مؤيديه في كل أرجاء العالم، وخاصة من الذين يعملون في أفريقيا وأمريكا الجنوبية. يشار إلى أن صوراً نُشرت مؤخراً لكبار تجار الحشيش في لبنان يقاتلون إلى جانب عناصر الميليشيا اللبنانية في سوريا.