جبل حطام الطين والبناء الذي انهار في شينزن في الصين قبل أسبوعين، بدأ في التراكم قبل سنوات. لكن على الرغم من الشكاوى والتحذيرات من المقيمين في المنطقة، لا أحد - سواء المدينة ولا حتى الشركة المسؤولة عن إدارة الموقع، ولا المقاولون الذين ألقوا الحطام هناك - توقف أو قام بتحويل النفايات إلى مكان ما أكثر أمنا. كانت شينزن سريعة النمو، وهي مدينة لامعة يعيش فيها أكثر من 10 ملايين شخص، ومشغولة جدا في النمو على نحو جعلها لا تشعر بالقلق بشأن كارثة وشيكة أدت إلى قتل وفقدان عشرات الأشخاص هناك. يعد الانهيار الأرضي في شينزن فقط الأخير في سلسلة طويلة من المآسي التي ارتكبها الإنسان والتي ضربت المدن الصينية خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك انفجار مستودع لمواد خطرة في تيانجين في أغسطس الماضي والفيضانات القاتلة التي طغت على شبكة الصرف الصحي الجديدة في بكين في عام 2012، ناهيك عن وباء التلوث الجوي الوطني الذي لا يظهر أي إشارة على التراجع. كل واحدة من هذه الكوارث تعتبر فريدة من نوعها في حد ذاتها. لكنها بشكل إجمالي تسلط هي وغيرها من الحوادث الأخرى الضوء على فشل طويل الأجل من جانب الحكومة الصينية في تخطيط وبناء مدن تكون آمنة لسكانها. بدلا من ذلك، كان التركيز منصبا على النمو بأكبر وأسرع قدر ممكن. كبار المسؤولين على علم تام بهذه المشكلة. في اليوم الذي وقعت فيه كارثة شينزن، اجتمع الرئيس الصيني تشي جين بينج وغيره من الزعماء الآخرين لما وصفته وسائل الإعلام الرسمية بأنه أول مؤتمر رفيع المستوى للتخطيط الحضري في الصين منذ عام 1978. رغم ذلك، فإن ما تحتاجه البلد فعليا ليس قوانين أفضل أو مخططات أوسع نطاقا. أولا وقبل كل شيء، يحتاج الزعماء إلى تغيير الحوافز الضارة التي تدعم التطور المفرط المنتشر بشكل كبير. من بين تلك الحوافز، أكثرها أهمية هي أن الحكومات المحلية في الصين ليس لديها تقريبا أي سلطة لفرض الضرائب. نتيجة لذلك، تجدها تعتمد على بيع الأراضي لتحصيل ما يصل إلى 35 بالمائة من إيراداتها التشغيلية. بالنسبة للمسؤولين الصينيين، الذين يتم ترقيتهم أو عدم ترقيتهم جزئيا، استنادا فقط إلى مدى النمو الذي تمكنوا من تحقيقه، فإن هذا يخلق رغبة لا تقاوم للاستيلاء على الأراضي وتطويرها. في الوقت نفسه، تكون شركات التطوير العقاري - المدفوعة بالقروض الحكومية الرخيصة - سعيدة جدا بمواصلة البناء. تعد الشقق الفارغة التي يقدر عددها بحدود 50 مليون شقة في الصين نتيجة واضحة فقط لهذا التطور الهائل. النتيجة الأخرى هي تزايد الكوارث مثل تلك التي حدثت في شينزن. لو كان مسؤولو المدينة أكثر اهتماما بإمكانية "العيش" بدلا من توليد الدخل، فلربما استطاعت الحكومة والصناعة الخاصة إيجاد مكان أكثر أمنا وأكثر إنتاجية لكل تلك الفضلات. (فقط 5 بالمائة من فضلات البناء في الصين يجري إعادة استخدامها، على سبيل المثال، مقارنة مع أكثر من 95 بالمائة في كثير من البلدان الصناعية). إحدى الطرق ليكون هنالك أثر مباشر هو في منح الحكومات المحلية الحق في جمع إيرادات جديدة، بدأ بفرض ضريبة على الممتلكات. تفرض الصين فعليا ضرائب على المعاملات العقارية. لكن ضريبة العقارات المتكررة قد تحقق أهدافا لا تستطيع الضريبة المفروضة لمرة واحدة تحقيقها بكل بساطة. أولا، المضاربون الذين لا يواجهون حاليا أية تكاليف تترتب على ترك الشقق والمباني كلها فارغة سوف تكون لديهم حوافز أكبر بكثير فيما لو عملوا على تأجيرها. وهذا بدوره ينبغي أن يساعد في تراجعهم عن الإفراط في البناء. ثانيا، حين تكون الحكومات المحلية قادرة على الاعتماد على الإيرادات الثابتة طويلة الأجل، فإن هذا سيوقفها عن الاعتماد على بيع الأراضي. وفقا لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي في مارس، يمكن للضريبة المصممة تصميماً جيداً أن يكون لها دور أكثر من التعويض عن الإيرادات المتأتية من مثل هذه المعاملات. ثالثا، قد تضمن ضريبة العقارات بأن يكون لأصحاب الممتلكات حصة مباشرة في البنية التحتية وغيرها من المشاريع الإنمائية التي يجري بناؤها في الأحياء والمدن المجاورة. ومن المفترض أن أصحاب المصلحة قد يكونون أكثر صخبا وقوة في معارضة المشاريع غير المأمونة. بطبيعة الحال، الضريبة لن تحل جميع المشاكل التي تعرقل التخطيط الحضري في الصين. حتى عندما يكون لدى الحكومة قوانين جيدة في الكتب، يتواطأ المطورون والمسؤولون للتهرب منها. أحرزت حكومة الرئيس تشي بعض التقدم في مكافحة الفساد، لكنه تقدم غير كاف تقريبا لمنع مثل هذه الممارسات. على سبيل المثال، يبدو أن سبب حدوث الانهيار الأرضي في شينزن هو مزيج من عدم الكفاءة والافتقار إلى إنفاذ القوانين و- على الأغلب - الفساد من المستوى المنخفض الذي يسود الحياة الحضرية الصينية. سيتطلب إصلاح هذه المشاكل المزيد من الهجمات على الفساد، وإنفاذ أفضل للأنظمة والتأهيل المهني عبر البيروقراطية في الصين.