علي خامنئي، "المُرشد" بلا رُشد، و"الوَصيّ" بلا وصاية، هو الضالع في "الخطيئة" دون سواها، و"الشر الكامن" في رداء أتقن نسيجه، ظاهره "ناسك متعبد"، وطَلعه "رؤوس ثعابين"، ل "الطغيان" إِمامٌ لا يُشق له غُبار، وحين زهدٍ "طاغيةٌ معبود". "الطاغية المعبود"، ابن الستة والسبعين، المولود في "مشهد" عام (1939)، المدينة الخرسانية المُلحقة ب "طوس"، هو سليل أسرة بنَدْهَتين، الأولى: اهتمامها بالعلم الديني، والثانية: جذورها الممتدة إلى أذربيجان، التي هجرتها لتلقي العلم في "النجف"، ومن هنا بدأت الحكاية. ل "مشهد" سيرة طويلة، علامتها الفارقة فرار أهلها من المغول، وانزواؤهم في مرقد الإمام علي بن موسى الرضا، لتتخذ المدينة من ظاهر مقامه (مشهد المرقد) اسماً، ومن الخوف والرعب نهجاً مُعاشاً، لتجد "الأسوار" طريقها إلى "العقول" قبل أن تُلقي رواسيها في الأرض، فتصير "مدينة الأسوار"، أو "الجيتو" و"الكيبوتس" القادم من تعاليم اليهودية، لينشأ فيها من يظن ب "عداء" كل من هو خارجها. أما ندهتا "ابن الجيتو" فكانتا عنواناً ل "الغريب" الذي يصير "سيداً"؛ فاهتمام أسرته الديني ألحقه في سن مبكرة بالمدارس الدينية، التي واصلها وأعينه صوب عوالم أُخرى، الفن والثقافة والأدب المنفتح، ما أنتج نموذجاً شائكاً، مكّنه من توظيف مقاربة غريبة، قوامها "الدين الظاهر" و"الدنيا العميقة"، لتكون نهجاً في تسلق "الغريب" ل "السلطة"، واغتصابها لاحقاً. في مراهقته (عام 1955) زار العراق، إذ كان قد أنهى "مرحلة السطح"، وبدأ ب "دروس الخارج" في النجف، وهناك تعرّف إلى عوالم غير تلك التي نشأ عليها في أسرته الصغيرة، ليثير هذا والده، ويستدعيه - بغضب - إلى "الجيتو" مجدداً، ومن ثم ليدفع به إلى "قم"، فيعود إلى دراسة "الدين وأصول المذهبية" بعد أن غادرها في العراق إلى "الفلسفة والآداب". "المقاربة الغريبة" ألقت بِظلالها على سيرة "الطاغية"، فلا هو أصبح "فقيهاً"، ولا بات "مجتهداً"، وقضى في تناقضاته، لتحضر "أناه المذهبية"، الباحثة عن مكان، مع بداية نزوع "الخميني" للخروج على "ملكية الشاه"، وتبدأ سيرته مع السياسة. ركب موجة "الخميني"، وساهم في "تجذير العنف" في إيران عبر "رابطة رجال الدين المقاتلين"، التي أصبحت فيما بعد "حزب الجمهورية الإسلامية"، وتشدد بما يقرّبه إلى "صاحب الثورة"، لينتخب بعدها (عام 1979) عضواً في الدورة الأولى ل "المجلس الاستشاري الإسلامي" (أول برلمان في عهد الثورة)، ويصير جزءاً من "ماكينة النظام" السياسي الوليد. "انتهازية الغريب" ساقته إلى التمادي في طغيانه، ليأتمنه الخميني على "مسؤوليات حساسة" في النظام الناشئ، وليوعز له (عام 1981) بالترشح لرئاسة "الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، لتبدأ مسيرته في الاستحواذ على السلطة، واحتكارها واغتصابها. الخميني استدل على حقيقة خامنئي، وأدرك مبكراً ماهيته، وعَرَف أن ربيبه "لا فقيها" يُعد، و"لا مجتهدا" يُحسب، فاخترع له وصف "حجة الإسلام"، ليلاحقه الوصف كنعت مسيء، ويشكل عقدة نقص جديدة تضاف إلى نَدهَتيّه. في النظام الذي ابتكره الخميني، لا يتولى منصب "المرشد الأعلى" إلا "فقيه" يُعتد به، وهو ما لا ينطبق عليه، الذي لم يُشهد له ب "تفوّق" يُذكَر به، ويقدمه عمن سواه، ممن تزخر بهم حوزاتهم، وهو ما ظل مقلقاً للرئيس، الذي ألغى منصب رئاسة الوزراء ل "يحتكر السلطة"، ويضمن بقاءها في يده. "محتكر السلطة"، استحوذ على أجزاء مهمة من معادلة القوة في النظام الوليد، إلا أن شغور منصب "المرشد الأعلى"، بوفاة الخميني (عام 1989)، هدد هذا الاستحواذ، فالخليفة يجب أن يكون فقيهاً، ما يعني أن حلم الاغتصاب الكلي للسلطة لم يعد ممكنا، إذ سيلجأ "مجلس الخبراء" إلى اختيار من ينطبق عليه "شرط الفقيه"، لتبدأ عملية "تدنيس المقدس" في فقه "نظام الثورة". استطاعت "أدوات خامنئي"، التي عمل على توطينها في مفاصل النظام، تمرير تعديل جوهري على آلية اختيار "المرشد"، وأدخلت على شرط "الفقيه" حال "المجتهد"، ما يتيح للمراتب المذهبية الأقل مكانة التقدم إلى منصب "المرشد الأعلى"، بما مكّنه من الاستيلاء على المنصب. "المرشد الجديد" جوبه باستياء واسع من المراتب الفقهية، وأدرك أن اغتصابه للسلطة لن يستقر طالما بقيت زعامات "الفقه" و"الثورة" في مواقعها، فبدأ بسلسلة من التغييرات هدفت إلى أمرين، الأول: تركيز السلطة في يده، والثاني: استحضار سياسيين ضعفاء، يدينون بالولاء له؛ وهذا ما كان، فأضعف "مجلس تشخيص مصلحة النظام"، صاحب الحق في تغيير أعضاء "مجلس الخبراء"، وألحق بنفسه المؤسسة العسكرية، واتكأ على "الحرس الثوري"، الذي توغل في كل مفاصل الدولة، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية، وبات يجثم على مجمل الحياة العامة والخاصة في البلاد. عمد "مغتصب السلطة" إلى إضعاف كل السلطات المعتبرة في البلاد، وسعى إلى تحجيم "سلطة الرئيس" عبر مشروع يقضي بتجريد الرئيس من شرعية الانتخاب الشعبي، عبر الانتقال إلى نظام برلماني، يتولى فيه البرلمان - الخاضع للمرشد - عملية اختيار الرئيس، إلا أن مسعاه باء بالفشل مع نمو قوة معارضيه من "حركة المعارضة الخضراء"، التي تزعمها مير حسين موسوي. إجراءات "مغتصب السلطة"، على مدى عقدين، بدأت تفتح الباب أمام أسئلة واسعة، أقلها عن حقيقة الثورة التي انتجت نظاما أكثر طغياناً، وأكثرها قلقاً هي "خلافة الكهل"، التي حُرّم الحديث بشأنها طويلاً، لكنها باتت مثار قلق حقيقي في مجتمع سئم "أبناء الحوزة"، وتيقن بأن "الثورة" لم تنتج إلا "عصابات سلطة" يدير صراعها "الطاغية المعبود". في وقت مبكر من "اغتصاب السلطة"، تعرض خامنئي لمحاولتي اغتيال، تركتا آثاراً بالغة على نهجه، إذ تورّمت لديه "عقدة المؤامرة"، التي باتت تحكم مجمل سلوكياته وقراراته، وتدفع به إلى مزيد من "الشرور"، بدلاً من النزوع إلى "السلام"، الذي لم يعد ممكناً بعد تضرر "يده اليمنى" في إحدى عمليتيّ الاغتيال. أدار "مغتصب السلطة" إيران بطريقة عجيبة، فبدأ بتكريس كذبة العداء الخارجي، وهي عقدة "الجيتو" ذي "الأسوار" العالية، التي تحمي "سرّه" وتبني "سحره"، ووظفها في بناء جيل إيراني يعتقد بأن جوار إيران القريب، والعالم البعيد، هم أعداء متربصون، لا غاية لهم إلا الانقضاض على "منجز الثورة"، دون أن يجيب على ماهية هذا المنجز، وماذا جلب لإيران؟ استدعى العداء بإثارة "النعرات"، القومية والمذهبية، مختطفاً إيران من سياقها الجغرافي والإنساني إلى "قومية فارسية مُفرطة"، قضت مع نشوء الدولة الوطنية في العالم، و"مذهبية متوغلة"، توفر غطاء دينياً ل "تقديس الشيطان"، عبر صيرورة ممتدة من مزاعم "العِفة" و"الزُهد" و"التقوى"، التي لا تصلح كلها إلا في "المحراب المدنس" وب "إمامة الشيطان"، وعبر "تعاويذ" تبدأ وتنتهي في تكريس "الجيتو" و"العداء". "ليس إنسياً"، بل "رجيم" يحتكر "الشر"، ويسيطر به على الشعب الإيراني، مشتغلاً على عدائه للإسلام والمسلمين بزعم "الصراع المذهبي"، وفي ذات الوقت "العداء المزعوم" لأمريكا والغرب باعتبارهما "شياطين كبيرة وصغيرة"، دون أن يمنعه هذا عن "مصالحات" مع هذه "الشياطين"!. لا يتورع عن سفك الدماء في سبيل تكريس بربريته، فالشواهد لا تعد ولا تحصى، من العراق وسوريا ولبنان إلى اليمن مروراً بالبحرين، أنّى أزحت ناظريك ستجد "رؤوس الثعابين" وقد تأهبت لبث سُمها، ففحيحها "مظلومية مذهبية"، وغايتها نفوذ فارسي وسيطرة لبناء نظام طغيان إقليمي، يشكل حديقة خلفية ل "الدولة المارقة". وحين تحرك "الحق" ل "قتل الشيطان"، في البحرين وسوريا واليمن، شعر "المارق" بالذعر من لحظة راهنة تدك "رؤوس الثعابين"، التي عمل على رعايتها طويلاً بين جنبات العرب، وأدرك أن مشروعه المذهبي، الذي بدأه في العراق، سيقضي نحبه في موجات "عاصفة الحزم"، فجُن من مآل يدرك أنه سيهشم "مكره"، وتخبط حد "التهديد"، دون أن يغنيه هذا عن حقيقة المقبل. وكذلك، لا يتوقف "المارق" عند "مبدئيته المدنسة"، فالدين لديه "أداة"، يوظفها أنّى تأتى له، ففي مفاوضاته النووية لم يتورع عن "الافتاء بحرمة السلاح النووي"، مقدماً إياها كعربون لرفع الحصار عن إيران ومشروعها النووي، دون أن يكون للفتوى وتوظيفاتها أية قداسة، فسلطة الكهنوت الإيراني تشي بذلك، وهو ما تكشفه رسائل الخميني بين عامي 1987-1988، التي أكد فيها "أحقية جمهورية الثورة تعليق أركان الإسلام الخمسة إذا ما اقتضت المصلحة"، وهي الرسائل التي تعبر عن جوهر الفكر المارق. "التوظيفات الكهنوتية" تشكل القِوام العقلي ل "امبراطورية الشيطان"، التي يسعى إليها خامنئي، دون أدنى اعتبار أن التوظيفات ذاتها عبارة عن "حبل من مسد" يطوق عنق الشيطان أيضاً، وسيدفع به وبامبراطوريته إلى الانتحار، فالنظام يولّد نقيضه، الذي سينقض عليه، وهو ما برز في خطاب المعارضة الإيرانية وهتافها: "بن علي ومبارك.. بشار وسيد علي"، في إشارة إلى المصير الذي سيلحق به. "الكهل" يصارع الآن "شياطين" كرّسها في النظام الإيراني، بات خروجها عليه أكثر وضوحاً مع تسريبات تحدثت عن إعداده ابنه كخليفة له في منصب المرشد العام، وهو ما لن ترضى به "عصابات السلطة"، التي "تكلّست" في مفاصل الدولة الإيرانية. علي خامنئي