إليكم يا أيها الشباب والشابات في أنحاء وطننا العزيز الممتد من ساحل البحر الأحمر غرباً إلى ساحل الخليج العربي شرقاً، ومن حدود بادية الشام إلى حدود اليمن، إليكم تحياتي وتقديري لمتابعتكم لما أكتبه عن الشباب ما لهم وما عليهم، وتفاعلكم الإيجابي مع ما قلته لكم نصيحة أبوية لا أريد بها إلا صلاح شأن الأمة التي يكون الشباب ركيزتها وأساسها ومخطط مستقبلها، فالشباب هو فترة العنفوان الإيجابي والمراهقة اللذيذة والطموح اللا محدود، وهو فترة بناء الإنسان والأسرة والدولة التي تقوم على السواعد المفتولة والعقول الواعية والأفكار البناءة، وكل هذه المميّزات لا توجد إلا في الشباب الذي فُتحت بصائره على أسرة ترعاه ومدرسة تعلمّه ومجتمع يحوطه بالرعاية والتشجيع، أي أنه وجد كل مقومات الحياة الكريمة الراقية مهيأة له للعمل الدنيوي بهمة ونشاط، مع الإقبال على الطاعات وأداء الواجبات الدينية، كما أمر الله بها في كتابه العزيز، فإن التوازن بين الناحيتين هو الذي يؤسس الاطمئنان في النفس البشرية المطمئنة، ولذلك أقول لهم ما جاء في الأثر: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك).. فاغتنموها يا أبنائي وبناتي ما دمتم في أوج النشاط والصحة وعلى مقدار من العلم والثقافة، اغتنموها قبل أن تتبخر من بين أيديكم الأيام فتعودوا للبحث عن بقاياها فلا تجدوا إلا ذكريات عابرة واصداءً تتردد في الأجواء، كأمنيات لا يمكن تحقيقها بحال من الأحوال، لأن ما فات مات ولا رجوع له إلا الأمنيات والتمني حيلة العاجز، ولو عاد الشباب افتراضاً كما يؤمل المتمني فماذا يستطيع في سنوات العمر الفائتة والصحة النائية والذكريات الضائعة؟ لا شيء. يا أبنائي ويا بناتي الشباب، إن أمامكم فرصاً ومجالات لم تكن متاحة لنا، حيث لم تُتح لنا في أيام شبابنا وعنفوان نشاطنا أية فرصة غير تلك الفرص المشار إليها، وهي الوظيفة، ومن لا يرضى بالوظيفة فعليه أن يقعد في البيت أو يتسكّع في تقاطعات الطرق، عندما كنا في أعماركم قبل ستين أو خمسين عاماً، ولم تكن فرص العمل متاحة لنا إلا في الوظائف التي لا يكفي مردودها سد الرمق أو إعاشة الأسرة بالكاد دون طموح، لأنه ليس هناك مجال للاختبار، أما اليوم فأمامكم قنوات التشجيع والمساعدة عن طريق بنك التسليف وباب رزق جميل ومنظومة شباب وشابات الأعمال وتوسّع فرص مواصلة التعليم، فشدوا العزم واربطوا الأحزمة، وهذا دأب من يريد أن يخوض تلك الأنهار المتدفقة عملاً وعطاءً وفكراً نيراً يعكس ما يستطيع الشباب النهوض به من الأعمال بهمة وعزيمة نحو مستقبل واعد بإذن الله، فهذا مستقبلكم يدعوكم يا أبنائي لأن الكثير من الفرص لا تتكرر فاغتنموا أولها لتسعدوا وتسعدوا من حولكم ولن يفيدكم البكاء على الشباب الغائب والعمر الضائع فيما بعد والفرص التي تسرّبت من بين أيديكم بسبب عدم جديتكم فازرعوا اليوم لتحصدوا غداً وستكون أرباحكم وفيرة بإذن الله، وثقوا بأن الله «سبحانه وتعالى» هو واهب الأرزاق للعاملين من أجل الحصول عليها فاعملوا.. {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.. ولن يضيع أجر عمل عامل منكم مهما بلغ مستواه العلمي وحصيلته المادية، فأنتم عزة الوطن وأمل المستقبل وعماد النهضة المرتقبة، فشمروا عن سواعد الجد، وأقبلوا على بناء مستقبلكم بقناعة وجد وإخلاص ليكون الوطن مرآة صادقة لما يبذله الشباب من جهد ووقت وإصرار على النجاح كما قال الأمير عبدالله الفيصل «يرحمه الله»: مرحى فقد وضح الصواب وهفا إلى المجد الشباب عجلان ينتهب الخطى هيمان يستدني السحاب في روحه أمل يضيء وفي شبيبته غلاب ذاكم لعمري / عدة الوطن الكريم المستطاب ما المجد يطلب بالمنى كلا ولا السمر القضاب المجد يبنى بالعلوم تهز عالمنا المجاب