هيئة عليا لتوليد الوظائف ومكافحة البطالة.. هذا ما كنّا نحتاجه ونطالب به، والآن يتحقق هذا المطلب.. ويصبح هم الدولة الاول، وهنا نحن نستعيد الدور الكبير الذي كان يقوم به (مجلس القوى العاملة)، وهو الآلية المهمة التي اطلقتها الدولة قبل ثلاثة عقود لمواجهة تحديات سوق العمل، والدولة باعتماد قيام الهيئة تضع الآن توظيف الشباب وفتح أسباب الرزق لهم في أولوياتها، ويرعى ويدعم هذا الملف الملك بنفسه، ويتابع تنفيذ أهدافه مجلس التنمية الاقتصادية. لقد كان لمجلس القوى العاملة، قبل عشرين عاما بالتحديد، الدور الرئيسي الكبير في توجيه اهتمام مؤسسات الدولة ومنشآت القطاع الخاص الى قضية توطين الوظائف للسعوديين، والأمير الراحل الكبير نايف بن عبدالعزيز، يرحمه الله، ادار هذا الملف بكل براعته السياسية والقيادية، والآن نتذكر الجهد الذي بذله في سبيل هذا الملف الوطني السيادي. لقد وضعه الامير نايف في أولوياته، حيث ذهب الى ملتقيات ومنتديات قيادات القطاع الخاص للحوار والنقاش وحمل لهم هموم وتطلعات الأجيال الجديدة، واستمع اليهم والى افكارهم وتصوراتهم لانجاح مشروع التوطين، كما ذهب الى الشباب في المدارس والجامعات لكي يشرح لهم اهمية العمل واهمية بناء الذات والاستعداد للمستقبل. وقد أثمرت جهوده رحمه الله في هذا الملف، فبادر العديد من الشركات والمؤسسات والمصانع الى استيعاب الشباب السعودي وتهيئة فرص العمل والتدريب، وأطلق الامير نايف جائزة وطنية لمكافأة المبادرين المتميزين من قيادات القطاع الخاص وشركاته، ولكن نحن مجتمع شباب والدولة انفقت بسخاء على التعليم والتدريب، وبالتالي من الضروري استرجاع ما أنفق الآباء والشركات والدولة على الاستثمار في التعليم عبر توسيع سوق العمل. برنامج السعودة، (كما ذكرت في مقال الأحد الماضي في هذه الزاوية) لم يعد الالية المناسبة لمواصلة جهود التوطين، فالسعودة في السنوات الاخيرة اكتسبت دلالات ضمنية سلبية، واصبح الحديث عنها يجر الشجن والتوتر، وأدت الى شق المجتمع السعودي الى فيلقين متضادين، كل لديه الحجج والمبررات للسعودة او ضدها، حتى خاف الكثيرون على وحدتنا واستقرارنا بسبب هذا البرنامج الذي وصل الى انسداد الأفق، والجهد الكبير الذي يبذل عليه عائده بسيط ولا يستحق العناء والتعب. وهنا جاء التوجه الى مسار آخر، مسار (توليد الوظائف) وهذا هو التفكير الإيجابي لحل المشاكل، اي النظر الى الامر برؤية جديدة، توحد الجهود وتستثمر المعطيات والمكتسبات التي حققناها في العقد الماضي. توليد الوظائف هو المسار الأمثل لتوسيع فرص العمل، وفي هذا المسار لا نحتاج اعادة اختراع العجلة، هناك العديد من التجارب العالمية الناجحة، وحتى في بلادنا لدينا في الأربعين عاما الماضية نجاحات واقعية في هذا المجال. انشاء المشروع العملاق، الجبيل وينبع، قصة نجاح لبلادنا في توليد الوظائف وقيام سابك مثال آخر، والآن توجه الدولة الكبير الى مشاريع النقل العملاقة سوف يوفر آلاف الفرص الوظيفية المجزية للسعوديين، والأمثلة الناجحة عديدة مثل الاستثمارات التي يقيمها القطاع الخاص في الصناعة والصحة، فإنشاء المستشفيات والمصانع او في الفنادق الكبرى يفتح الآلاف الوظائف للسعوديين. قيام هيئة عليا لتوليد الوظائف.. ربما تصاحبه خطوات جريئة اخرى لإعادة هيكلة سوق العمل، عبر مراجعة أدوار وزارتي العمل والخدمة المدنية، وكذلك دور مؤسسات وبرامج التمويل المتخصصة في التأهيل والتدريب وتنمية المشروعات الصغيرة. الهيئة الوليدة ينتظر منها النظرة الشاملة الموضوعية التي توازن بين المصالح، فالسعودي الذي يعمل في القطاع العام أو الخاص، هو مواطن عامل يفترض ان يتساوى في نظر أنظمة الدولة ومؤسساتها ومشاريعها وبرامجها ورؤيتها للمستقبل. ربما من اولويات الهيئة النظر الى احدى مشاكل سوق العمل الرئيسة وهي رغبة الآلاف من الشباب العمل في القطاع العام. هذا التوجه مؤشر سلبي لمفهوم الوظيفة في القطاع العام، وعلينا مواجهته والتصدي له حماية لشبابنا ولبلادنا من خطورة استمرار تدني الإنتاجية في القطاع العام. المواجهة التي نقصدها، هي المواجهة الموضوعية التي تأخذ في الاعتبار احتياجات الموظف كإنسان، واحتياجاته لتنمية مهاراته ومعارفه الوظيفية عبر التأهيل والتدريب، واحتياجاته الى بيئة عمل ناضجة مهنيا وعلميا توفر له أسباب الترقي والنمو المهاري والمعرفي في الوظيفة. وزارة الخدمة المدنية لديها برامج طموحة يجري العمل عليها تستهدف تنمية الموارد البشرية في القطاع العام، وهذا احد مفاتيح التطوير والإصلاح. لا يمكن إصلاح الخلل في سوق العمل بدون النظر في القضية الكبرى، ساعات العمل الممتدة من الفجر الى منتصف الليل في القطاع التجاري، بالذات تجارة التجزئة. التسامح بهذا الوضع مصدر ضرر كبير أمنيا وبيئيا واقتصاديا واجتماعيا. لقد ساهم في تراجع دور الأسرة الحاضن الموجه للشباب بسبب ازدهار المغريات الليلية الجاذبة، وترتب على هذا غياب اللقاءات العائلية الحميمية مثل مائدة العائلة!!. الأطفال والمراهقون تراهم في المطاعم والمتاجر قبيل منتصف الليل في ايام الدراسة!! ظاهرة سهر الطلاب تنفرد بها بلادنا مع الاسف، ونتمنى ان تأخذ (الهيئة العليا لتوليد الوظائف ومكافحة البطالة) زمام المبادرة لاصلاح هذا الخلل الاجتماعي. هذا الموضوع (سيادي)، وهو احد ضرورات إعادة هندسة اجتماعية للمجتمع السعودي. ان تمدد ساعات العمل هو العامل الرئيسي لانتشار التستر التجاري وهو احد العوامل الطاردة للموارد البشرية في القطاع الخاص، وفي القطاع البنكي، على سبيل المثال، استقرت الموارد البشرية في القطاع بعد توحيد الدوام لفترة واحدة قبل عشر سنوات.