يعود إلينا الممثل الأمريكي الكبير توم هانكس في فيلم هوليودي جديد اسمه Bridge of spies أو جسر من الجواسيس، تدور أحداث الفيلم في سنة 1960م أوج الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والغربي. الفيلم مبني على قصة حقيقية عن محام أمريكي متخصص في قضايا التأمين يوكّل بالدفاع عن جاسوس شيوعي تم اكتشافه والقبض عليه من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA. وكان الغرض من وراء ذلك إعطاء صورة لأمريكا بأنها تحمي حقوق الإنسان، في تلك الفترة التي كان صراع القيم والعدالة على أشده بين المعسكرين والتي يحاول كل معسكر أن يبرز على انه الصورة الحقيقية للدفاع عن حقوق الإنسان وتحقيق العدالة للإنسانية. لكن المحامي، وقد اخذ مهمته على محمل الجد، حاول الوصول إلى ثغرات في القانون الأمريكي لإنقاذ الجاسوس السوفييتي الشيوعي فتحول في نظر الصحافة والمجتمع وحتى أسرته على أنه مدافع عن جاسوس شيوعي هدد أمن الولاياتالمتحدة. ولا يكتفي المحامي بأن أنقذ موكله من الكرسي الكهربائي للإعدام، بل يحاول الاستئناف ضد الحكم بالمؤبد مما يزيد حنق الأمريكيين عليه. في تلك الفترة يقع طيار أمريكي على طائرة تجسس أمريكية في يد الاتحاد السوفييتي وتضطر الحكومة الأمريكية للتفاوض من اجل تبادل السجناء. الفيلم في منتهى الروعة تقنياً ومشاهد، يعود بك إلى أجواء الستينيات في السيارات والمباني والأزياء وتصفيفات الشعر ولا تحس إلا انك جزء من عالم الستينيات قي الحقيقة. لكنه يحمل رسائل مضمرة أظن أن هوليوود ما زالت تستخدمها، وهي محاولة إبراز وتسويق الديمقراطية الغربية وحقوق الإنسان. فها هي أمريكا تسمح لجاسوس شيوعي بأحقية توكيل محام، في مقابل انتهاك الجانب السوفييتي وألمانيا الشرقية، التي تظهر في الفيلم في أجواء بناء جدار برلين، لأهم حقوق الإنسان. وبينما كان المحققون السوفيات يوقظون الأسير الأمريكي بدلق سطل بارد عليه، ينتقل بك المشهد إلى المحقق الأمريكي وهو يوقظ الأسير السوفياتي برفق بادئاً حديثه بكلمة سيدي! لكن هذه الرسالة تبدو أنها في غير زمنها وقد تكون مبعثا للسخرية في وقتنا الراهن. لقد أصيبت سمعة الولاياتالمتحدة في مجال حقوق السجناء بضرر بالغ. ومن غير المجدي الآن التذكير بذلك الزمن الذي كانت تقارن فيه ممارساتها بممارسات المعسكر الشرقي. لقد تورطت أمريكا في أكثر من حرب بعد تلاشي المعسكر الشرقي، وظهرت مشاهد انتهاكاتها لحقوق السجناء على الملأ. يكفي أن نذكّر بسجناء أبو غريب في العراق، وسجناء خليج جونتنامو الذي سماه الرئيس الأمريكي أنه عار على أمريكا ووعد بإغلاقه أكثر من مرة دون أن يفي بوعده، ناهيك عن السجون الطائرة التي ترحّل أمريكا فيها المشتبهين إلى بلدانهم الأصلية حيث العذاب الأليم وانتزاع الاعترافات قسراً بعد صنوف من العذاب الأليم.