تبرز المفاوضات مع إيران مرة جديدة على الأجندة الدولية. فبعد استراحة دامت ثمانية أشهر، من المتوقّع أن تعقد الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، اجتماعاً مع إيران في 25 شباط (فبراير) الجاري في كازاخستان. فما هي فرص نجاح هذا الاجتماع؟ باختصار، يبدو أن الأمر مرهون بالمناخ السائد في واشنطن أكثر من ذاك السائد في طهران. توحي إيران بأنها ترغب في التفاوض، إلا أنّ واشنطن لم تبدِ بعد مرونة أكبر من الماضي. وفي خطاب بارز ألقاه الرئيس محمود أحمدي نجاد في طهران يوم الأحد الماضي، توجّه إلى الولايات المتحدّة بالقول، «كفّوا عن تصويب أسلحتكم باتّجاه الأمة الإيرانية وسأتفاوض معكم شخصياً». في الوقت نفسه، أطلع السفير الإيراني في باريس المسؤولين الفرنسيين على أنّ إيران مستعدّة، في حال تمّ التوافق على خطة عمل، للسماح لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منشأة «بارشين» العسكرية حيث يُشتبَه بأنّ إيران عملت على صناعة الأسلحة الذرية. وأعلن أحمدي نجاد بنفسه مراراً أنّ إيران مستعدّة لوقف تخصيب اليورانيوم عند مستوى 20 في المئة في حال وافق المجتمع الدولي على توريده بدلاً من ذلك إلى مفاعل الأبحاث في طهران بهدف إنتاج النظائر الضرورية لمعالجة المرضى المصابين بالسرطان. أما الكلمة المشجّعة الوحيدة التي صدرت أخيراً عن الولاياتالمتحدة، فجاءت على لسان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أوحى خلال مؤتمر الأمن الذي عُقد في ميونيخ خلال الأسبوع الماضي، بأنّ الوقت قد حان ربما لإجراء محادثات ثنائية بين الولايات المتحدّة وإيران. وردّ وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بإيجابية على عرض بايدن، مع أنه أضاف أنّ إيران يجب أن تتأكّد من أنّ عرض بايدن مبني على نية «صادقة» وغير «مخادعة». ويبدو أنّ عقبات كثيرة تعترض طريق التوصّل إلى اتفاق أميركي - إيراني، ومن بينها الانعدام المتبادل في الثقة بين الطرفين. لا يبدو تفاؤل الخبراء شديداً إزاء احتمال إحراز تقدّم كبير على المدى القريب. فمن جهة، تبدو إيران شبه متأكدة من رغبتها في تأجيل اتخاذ أي قرار استراتيجي أساسي، إلى أن يتمّ انتخاب رئيس جديد في شهر حزيران (يونيو) المقبل، ليحلّ مكان أحمدي نجاد، المعروف بتصريحاته اللاذعة. ومن أجل عقد اتفاق مع إيران، يجدر بالولايات المتحدّة طمأنة الدول العربية الحليفة لها في الخليج بأنها لن تقع تحت رحمة الهيمنة الإيرانية أو تخسر الحماية الأميركية. ولا شكّ في أنّه يجب تقديم ضمانات على هذا الصعيد. ويتمثّل عائق أكبر حجماً في إسرائيل، التي تعدّ حليفاً مقرّباً من الولاياتالمتحدة. وهي تعترض بالكامل على عقد أي اتفاق من شأنه السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم حتى عند مستوى متدنٍ يبلغ 3.5 في المئة. ويكمن هدف إسرائيل، التي لا ترغب في أنّ يتمّ تحدّي ترسانتها النووية العملاقة، في وقف برنامج إيران النووي بالكامل. ولهذه الغاية، اغتالت عدداً من العلماء النوويين الإيرانيين، وانضمت إلى الولايات المتحدّة في شنّ حرب على شبكة الإنترنت ضد منشآت إيران النووية، مع العلم أنّ رئيس الوزراء العدائي بنيامين نتانياهو يمارس على مدى سنوات ضغوطاً على أوباما، لتدمير برنامج إيران النووي – وأكثر من ذلك – لإسقاط النظام الإسلامي برمّته. وفي مواجهة هذه العوائق، من الواضح أنّ أي اتفاق أميركي مع إيران قد يتطلب تحضيراً مدروساً. وقد يحتاج أوباما إلى حشد دعم محلي قوي، في حال أراد مواجهة مجموعة واسعة من القوى الموالية لإسرائيل في أميركا، وتضمّ أعضاء في الكونغرس، يدافعون بشدّة عن المصالح الإسرائيلية مهما كان الثمن (ويتمثّل دليل واضح على ذلك في جلسات الاستماع إلى وزير الدفاع تشاك هيغل أخيراً) ومجموعات ضغط قوية مثل «لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية» أو «آيباك» وعمالقة الإعلام، وكبار الممولين اليهود، أمثال شيلدون أديلسون، ومجموعة كبيرة من خبراء الاستراتيجيات المنتسبين إلى المحافظين الجدد في منظمات الأبحاث اليمينية، فضلاً عن أشخاص نافذين وموالين لإسرائيل داخل الإدارة وعدد كبير من الشخصيات الأخرى. وقد تكون الكلفة المترتبة على صعيد رأس المال السياسي نتيجة تحدّيهم كبيرة جداً. ولا شك في أنّ أوباما يملك حرية وسلطة أكبر من قبل بعد أن تمّ انتخابه لولاية ثانية. من المتوقع أن يزور أوباما إسرائيل في 20 و21 آذار (مارس)، الأمر الذي لم يقم به في ولايته الأولى. وستكون هذه الزيارة أول رحلة له إلى الخارج خلال ولايته الثانية، وتحمل بحد ذاتها أهمية كبرى. وعلى رغم أنّ البيت الأبيض يسعى للتقليل من أهمية الافتراضات التي تفيد بأنه سيعلن عن مبادرة بالغة الأهمية، إما على صلة بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني أو حول إيران، فثمّة مسائل لا يسعه تفاديها. لكنّه قد يختار التطرّق إليها خلال محادثات خاصة مع القادة الإسرائيليين بدلاً من طرحها علناً. ومن المتوقّع أن تتألف رسالته من جزءين وتفيد بأنه يجب ألا تتأخر إسرائيل في السماح بقيام دولة للفلسطينيين، مهما كان هذا الخيار مؤلماً، ويجب أن تحرص على عدم جعل إيران عدواً أبدياً لها. ويمكن أن يؤدي النزاعان إلى عزل إسرائيل دولياً وإلى تهديد مصالحها على المدى الطويل، لا بل حتّى وجودها بحدّ ذاته. خلال ولايته الأولى، قاوم أوباما الضغوط التي مارسها نتانياهو عليه لشنّ حرب على إيران. غير أنّ النجاح الذي حققه كان جزئياً، إذ لم يتمكّن من تخفيف حدّة عدائية نتانياهو إلا من خلال فرض مجموعة من العقوبات القاسية التي لم يسبق لها مثيل على إيران. وتسبّبت هذه العقوبات بتراجع صادرات النفط الإيرانية إلى النصف، وانهيار العملة وارتفاع معدّل التضخّم في شكل عشوائي، وقطع علاقات البلاد مع مصارف العالم ومعاناة كبيرة للشعب الإيراني. أما السؤال الأساسي المطروح اليوم فهو الآتي: ما هي نوايا أوباما؟ هل يسعى لإسقاط النظام الإسلامي في إيران تنفيذاً لرغبة إسرائيل، أم إنه يسعى للحدّ من طموحات إيران النووية فقط؟ في حال كان «تغيير النظام» هدفه، فيجب جعل العقوبات أكثر قسوة من أي وقت مضى، وتمديدها إلى ما لا نهاية. ولكن، في حال كان هدف أوباما يقوم على عقد اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، فيجب أن يلبّي بعض مطالبها، مثل تخفيف حدّة العقوبات المفروضة عليها، والإقرار بحقها، بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، بتخصيب اليورانيوم عند مستوى متدنٍ لأهداف سلمية، والاعتراف بمصالحها الأمنية وبشرعية النظام الإسلامي الذي قام عقب ثورة عام 1979، وبمكانتها في المنطقة كقوة رئيسة. ولا تزال الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي من المتوقع أن تجتمع مع إيران في نهاية هذا الشهر، شديدة الانقسام، إلى حدّ يجعل إحراز أي تقدّم مستبعداً على صعيد عَرضِها السيئ السابق، الذي كان يقضي بإعطاء إيران بعض قطع الغيار للطائرات، في حال أوقفت تخصيب اليورانيوم عند مستوى 20 في المئة – مع العلم أنّ ذلك يعدّ ورقتها الرابحة. والجدير ذكره أنّ الجمود في تعاطي إيران مع الدول الخمس الدائمة العضوية هو الذي ساهم في تعزيز الفكرة القائلة إنّ أفضل طريقة لإحراز تقدّم جذري تكمن في المحادثات الثنائية بين أميركا وإيران، وربما في عقد قمّة بين الرئيس أوباما وآية الله خامنئي. وكي تنجح قمة مماثلة، يجدر بالولايات المتحدّة تغيير مقاربتها. وقد أوضح المرشد الأعلى الإيراني أنّ إيران لن تتفاوض في ظلّ التهديدات بشنّ هجوم عليها، ويجب اعتماد سياسة الأخذ والعطاء. وترغب إيران في أن تتمّ معاملتها باحترام. وهذا هو التحدّي الذي يواجه أوباما. وينبغي التذكير بأنّ أيّ دليل لم يصدر بعد على أن إيران قرّرت صناعة أسلحة نووية. كما أنها لم تطوّر نظام إطلاق جيّد. وبدلاً من ذلك، ركّزت جهودها على الصواريخ المتوسطة المدى، التي يتعذر عليها بلوغ إسرائيل. كما أنها لا تملك قدرة على توجيه ضربة ثانية. وشدّد الرئيس أحمدي نجاد خلال زيارته القاهرة في الأسبوع الماضي أنه لا نية لدى إيران لشنّ هجوم على إسرائيل. فهي تتخذ موقعاً دفاعياً بحتاً. وفي حال أراد أوباما أن يتصرّف بجرأة وبحكمة، فقد يعمل على تبديد مشكلة مستمرّة تضرّ بالمنطقة منذ سنوات. ولا شكّ أبداً في أنّ الوقت حان لتجرّ الولاياتالمتحدةإيران إلى المجتمع الإقليمي لدول المنطقة ولتضع حدّاً لعداء متواصل منذ 34 سنة. * كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الأوسط